فخامة الرئيس
أجزم بأنكم وحكومتكم تبذلون أقصى الجهود من أجل الخروج ببلدنا من هذه الأزمة التي لا يوجد أخطر فيها من الارتجالية والاعتباطية والتقليد الأعمى، خاصة أن انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية بدأت تظهر هنا وهناك، فقد سمعت في وسائل الإعلام الدولية أن مناطق من إيطاليا شهدت أعمال نهب لبعض المتاجر اضطر الدولة إلى إخراج الجيش لحراستها، وأن العديد من الدول أنشأ هيئات لتعويض النقص الذي تفرضه الأزمة حرصا على ضمان السكينة العامة، حيث اضطر نهب أحد مخابز الأردن الحكومة فيها إلى أن تتكفل بإعداد الخبز وتوزيعه على البيوت كل يوم طيلة الأزمة...
إن ما تحاوله حكومات العالم أجمع في ظل هذه الجائحة هو التوفيق بين السيطرة على الوباء وعدم انهيار أو تراجع ما تدعو الضرورة إليه من بنياتها الاقتصادية أو الاجتماعية، وهذا ما يجعل بعض الدول يتردد كثيرا في اتخاذ إجراءات لو اتخذها مبكرا لأمكنه السيطرة على الوباء كما وقع لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا وأمريكا التي ما زالت ترفض حتى البوم حظر التجول على انيويورك رغم أنها تمثل أكبر بؤرة للوباء في البلاد وتستعد لإخراج ألفين مليار دولار لمواجهة الأزمة، بينما يقول الاتحاد الأوروبي يقول إنه يحتاج لألف مليار يورو، والخطوات التي تتخذها كل من أمريكا والدول الأوروبية وايران وتركيا والصين كلها محسوبة ومدروسة النتائج والعواقب ومستعد لها، ليس فيها أي شيء عشوائي ولا مرتجل.. ونحن مع الأسف لدينا عوائق كبيرة تضاف إلى هشاشتنا وضعف اقتصادنا أهمها أننا لا نملك إحصائيات صحيحة فإحصائيات المركز الوطني للإحصاء تخمينية في أغلبها أو متقادمة، وإحصائيات الجمارك مغلوطة لأن التجار كانوا يأتون بالبضائع الأساسية مسجلة تحت أسماء بضائع أخرى، وإحصائيات الضرائب كذلك، فلا نعرف ما يدخل ولا ما يخرج.. ولا شك أنني أثمن كل قرارتكم وقرارت حكومتكم من أجل حماية بلدنا من هذا الوباء، لكنني لن أحجم عن انتقاد ما لا أراه صوابا ولو كان ذلك لا يسركم أو لا يسر حكومتكم..
فخامة الرئيس
لماذا لا يكون لديكم جهاز للمتابعة والاستشعار يضم خبراء يقدمون النصح والاستشارات والدراسات الضرورية للجنتكم الوزارية المكلفة بمتابعة الوباء حتى لا تتخذ قرارات مرتجلة أو غير مدروسة أو وخيمة العواقب صحيا أو أمنيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا وإن كانت في الظاهر سليمة ومنطقية، كل حكومات العالم المتقدم وأيضا بعض العالم النامي كالمغرب والسينغال المجاورتين يحيطون أنفسهم بجيوش من الأجهزة والمراكز الخبراء في كل مجال ولا يتخذون قرارا اتكالا خبراتهم الذاتية، كما لا يتخذون أي قرار لم يحصلوا من الخبراء على أجوبة لثلاثة أسئلة حوله هي: ما هي فائدة هذا القرار؟ ما هي أضراره؟ وهل هناك أفضل منه؟
فخامة الرئيس
لقد طرحت قرارات خطابكم حول كورونا لدي جملة من التساؤلات المحيرة:
- من اقترح هذه الاقتراحات التي تقدمتم بها؟ هل كانت مدروسة أو مرتجلة؟ ومن قام بدراستها؟ ما معنى إلغاء الضريبة عن بعض المواد الغذائية الأساسية وترك البعض كالسكر والحليب غير المجفف والأرز والمعكرونة والدجاج المستورد وهذه في صميم عيش الفقراء حيث ان الحليب الوطني والأرز المحلي والمعكرونة والدجاج المحلي ما بين غال أو لا يغطي السوق؟ ولماذا لم تستفد المحروقات من هذا الإجراء مع أنها السبب الأول في غلاء المعيشة في البلد؟
- هل استفادت الحكومة من تحليل الخبراء للمعطيات التي تتيحها الحالة المدنية والضرائب والوظيفة العمومية ووكالة التنمية الحضرية وإدارة العقارات وإدارة الرواتب والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق الضمان الصحي ووزارات التعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الدينية ووزارة التنمية الريفية ووزارة النقل والمركز الوطني للإحصاء وشركتا الكهرباء والماء والهيئات الخيرية العامة والخاصة فلكل من هذه الهيئات بيانات إحصائية يمكن لمراكز البحث والخبرة والدراسات أن يستخرجوا منها كميات كبيرة من المعلومات تساعد الحكومة في التخطيط والتنمية السليمين عموما، وفي هذه الأزمة بالذات خصوصا كتمييز الأسر الكثيرة من الأسر الصغيرة أو التي لا معيل لها أو ليس فيها موظف أو ليس فيها من يتوفر على جوازات سفر أو على اشتراك في الكهرباء والماء أو ليس فيها من يملك بيتا أو من يملك سيارة أو ليس لها آباء أو ليس لها أولاد ذكور أو فيها مرضى مزمنين؟
- هل لدى الحكومة آلية واضحة وشفافة لاختيار الثلاثين ألف أسرة التي أعلنتم عنها، توصل الحق إلى مستحقيه وتمنع المحسوبية والاختلاس وسوء التسيير؟
- هل طلبت الحكومة دراسات عن آثار إجراءاتها المرتبطة بالأزمة وسبل تلافيها، فقد بدأت المضاربات والأسعار منذ أمس تتصاعد في النقل والصرافات ومختلف المواد بما فيها المواد الغذائية التي بدأ البعض يشتري منها فوق حاجته لتخزينه بسبب هستيريا وهلع لا مبرر لهما.
- أين سياسة تثقيف المواطنين وتوعيتهم في وجه هذه الهستيريا التي تهدد إن استمرت باضطراب الأسواق والأسعار وأين هي الاستيراتيجية التثقيفية والإعلامية الضرورية لطمأنتهم ومواكبتهم في هذا الظرف؟
- هل باشرت الدولة أو أشرفت على استيراد مخزون احتياطي من المواد الأساسية للحيلولة دون حدوث مضاربات في الأسعار أو انقطاع التموين.
- هل أعدت الدولة خطة لتعويض عشرات آلاف الأسر الفقيرة التي تعطلت أعمالها أو ستتعطل جراء إغلاق محلاتها أو تعطل أعمالها للحيلولة دون حدوث مجاعة أو توتر اجتماعي؟
فخامة الرئيس
الوضع اليوم تحت السيطرة لكن كل الاحتمالات تبقى واردة، وتتحكم فيها عوامل كثيرة، ورغم أن الدراسات المتفائلة تقول بأن الوباء قد يبدأ في الانحسار خلال الشهر القادم إلا أن القضاء عليه كليا قد يتطلب أشهرا، ولا يؤمن أن تكون له موجة ثانية أو طفرة غير متوقعة، والحكومة محتاجة في هذا الظرف بالذات إلى جهاز متخصص في إجراء المسوح والدراسات وإعداد الاستيراتيجيات يجمع المعلومات من كل نوع سواء كانت صحية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إعلامية ويحللها ويدرسها على أسس علمية تمكنه من قياس تأثيرات المرض وانعكاساته على البلد وأمنه وتصور المشاكل والأخطار قبل وقوعها وتهيئة الحلول المناسبة لها ومد الحكومة ومختلف أجهزتها بها، وإعداد الاستيراتيجيات الضرورية لمحاربة المضاربات والتهويل والتسميم والتوترات والشائعات الضارة والرد عليها، ومراقبة أداء الحكومة وأداء صندوق كورنا وقياس مدى نجاعتهما واقتراح البدائل في الوقت المناسب.. مثل هذا الجهاز موجود أصلا في الدول المتطورة جميعها وكثير من الدول النامية والحاجة إليه اليوم ماسة أكثر من أي وقت مضى...
فخامة الرئيس
الأزمة بإذن الله تعالى متعدية عن قرب إذا أحسنا التصرف إزاءها، وعلينا أن نجعل منها قنطرة لبناء دولة حديثة ذات مرافق إدارية واقتصادية واجتماعية عصرية ومتطورة.
الحسين بن محنض