في السنة الماضية، كتبت هنا عن "التصفيق" في السياسة: أنواعه، دوافعه، معانيه، إلخ،،، واليوم، اسمحوا لي أن أتناول في سطور لونا آخر من ألوان السياسة؛ هو الكذب!
.
معنى الكذب اصطلاحا: "هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطئًا". وهو موجود بهذا القدر أو ذاك في جميع بلدان ومجتمعات العالم، ولكن شمولية الكذب لا تشفع له ليصبح فضيلة. فالكذب كله مقيت مهما كان نوعه "أبيض" أو "أحمر" أو "أسود".
نعم، هناك 3 أنواع من الكذب: الكذب الأبيض والأحمر والأسود.
- "الكذبة البيضاء"، وهي الكذبة التي لا تهدف إلى الإيذاء، بل إلى تجنب الأذية، مثل كذبة الزوج أو الزوجة كي يحمي أحدهما الشراكة بينهما من زلة أو غيرة، أو مثل كذبة الابن على الوالدين لتجنب العقاب إزاء تقصير أو إهمال.
- "الكذبة الحمراء"، وهي الكذبة التي لا يقصد منها الأذى، لكنها تُحدث أذى فادحا وجرحا بليغا في قلب المجتمع والدولة، مثل وعود الساسة في خطاباتهم الجماهيرية وشعاراتهم ولقاءاتهم الإعلامية وحديثهم عن مشاريع وهمية وإنجازات.. ما أنزل الله بها من سلطان.
.- "الكذبة السوداء"، وهي "البهتان" و تعني الكذبة الشريرة التي تهدف عن قصد وسابق إصرار إلى "الفبركة" والاختلاق والافتراء والتلاعب بالحقيقة لتشويه الواقع أو إلحاق الضرر بالمجتمع والدولة. و هذا النوع من الكذب أصبح قي زماننا هذا، زمان تقنيات الصورة والإعلام والتواصل الاجتماعي خطرا داهما.. لا ينجو منه إلا من دعا دعاء الغرق.
- وبين هذا وذاك أنواع متفرقة من الكذب "المجاني" مثل ذلك "المُدَوِّن البريء" الذي يبادر عن حسن نية بنشر وتعميم كل خبر سمعه.. يروى عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفى بالمرء كذبا أن يُحدِّث بكل ما سمع".
ومن الكذب "المجاني" المألوف والشائع، ما يأتي بدافع التباهي والتبجح وادعاء الثقافة و"الاطلاع" والإحاطة بأخبار السند والهند، أو الثراء والتمكين تشبها بطبقات الميسورين
أو نخبة المحللين.. وهو ما يسمى عندنا ب"لحريق"، وهو نوع من "اتشعشيع" الزائف.
وغالبا ما يكون الكذب المجاني نابعا عن طبع متأصل، بحيث لا يستطيع المرء التخلص من إغوائه، فيأتي به مستسلما، عن غير قصد ولا إرادة. وقد يكذب على نفسه "مجانا" كما يكذب على غيره.
ملاحظة أخيرة، إن الكاذب السياسي قادر كغيره على أن يمارس صفات الكذب كلها مجتمعة (الأبيض، والأحمر، والأسود، والمجاني، إلخ،،،)، ولكنه يتميز عن غيره من أهل الصفة بميزتين اثنتين، هما:
- أولا: لا بُدّ للكاذب السياسي من أن تكون له ذاكرة قصيرة ..وقصيرة جدا! لأنه مضطر لمناقضة نفسه تبعا للمناسبات التي تجابهه في كل ساعة.. وكلما كانت ذاكرته أقصر.. كلما كانت "زعامته" أكبر!
- ثانيا: بالنسبة للناس العاديين، فإن الكذبة الواحدة تملأ "المَزوَد" مرة واحدة، والثانية لا تفيده شيئا؛ أما بالنسبة للسياسيين، فإن لهم "مزاود" متعددة بتعدد ألأنظمة والمناسبات.. ولكل كذبة "مزودها"!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والسياسيين.
* لقد استفدت في هذا المقال من مراجع مختلفة..