كان محمد هندو مخرجا سينمائيا موهوبا بقدر ما هو ملتزم، تتناول أفلامه كلها قضايا إنسانية و ملحمات تحررية... و من أشهر أعماله فيلم (ساراؤونيا)، و فيلم (النور الاسود)، و كلاهما أحرز الجائزة الاولى في مهرجان عالمي،
.كما نال هو وسام شرف وطني وشحه به وزير الثقافة الفرنسي. كان يحرص كل الحرص على هويته و على جنسيته الموريتانية.. أراني ذات مرة عددا كبيرا من الأوسمة و الجوائز نالها في مناسبات متعددة و في بلدان مختلفة، و تعرفه كلها ب "السينمائي الموريتاني محمد هندو ..."، علما بأن له أيضا جنسية فرنسية، و انه يقيم و يعمل في فرنسا منذ أمد بعيد...و بعد أن أراني الجوائز و التكريمات ، نظر الي و قال لي بنبرة يمتزج فيها الاستغراب بالحزن و الالم : "مع هذا رفضت السفارة إعطاء جواز لولدي الأوحد بلال يرحمو..." من اخر أعماله فيلم "فاطمه"، و يروي فيه مأساة من مآسي حرب الجزائر، و كان يعد فيلما عن توسين- لوفرتير (Toussaint-Louverture) و آخر عن الشيخ ماء العينين مؤكدا انه سيتجاوز فيلم (لاورانس العرب) الشهير. وكان دائمآ يتمنى أن ينقل الى الشاشة الكبرى بتصرف يسير رواية (الاسماء المتغيرة) لاحمد ولد عبد القادر؛ وقد طلب مني ان اعد له ترجمة للرواية لذلك الغرض، لكن كاتبها ابدى تحفظات بشان التصرف الذي كان محمد يراه ضروريا في نقل الروايات الى الشاشة. و اذكر اني لقيته يوما بعد احتلال الأمريكيين للعراق، و رأيته مهموما غير نشط، و سألته عن سبب ذلك، فقال لي انه "لم يصطبح اليوم"، و انه مذ احتل العراق لا "يصطبح" حتى يسمع ان جنديا امريكيا سقط، و انه لم يسمع ذلك اليوم..." وحدثني مرة انه كانت تربطه علاقة صداقة بيهودي يظهر عدم التصهين.. ثم علم انه يتبرع سرا للجيش الإسرائيلي مثلما يفعل اليهود المتصهينون..عندها ذهب إليه وقال له : جئتك لاخبرك فقط اني اجعل حدا لعلاقة الصداقة بيننا... ابدا اليهودي أسفا شديدا وأقسم انه ضد الصهيونية، و اعتذر بأنه إنما يفعل ما يفعل خوفا على نفسه...فقال له محمد: ذلك يزيد قرفي منك، وداعا. غادر محمد هندو هذه الدنيا يوم أمس تاركا وراءه فراغا يصعب سداده، إذ كانت تتلاقى في شخصه فضائل و مواهب قلما تلاقت في غيره... فقد أمضى حياته مغتربا، لكنه ظل متشبثا بهويته مخلصا لوطنه غير مبال بإنكار حكام البلد له ... كان دوما يسعى لتشريف موريتانيا و إعلاء اسمها في المحافل العالمية، في حين ان موريتانيا الرسمية جاحدة فضله، منكرة بره ...كان نبيل النفس طيب السريرة، يسخر مواهبه و عبقريته لخدمة القضايا العادلة و نصرة الحق و مؤازرة المظلومين و الضعفاء و البائسين في كل بقعة من بقاع الأرض...كان حازما شجاعا في مواقفه ضد الظلم و الاضطهاد و امتهان الانسان، لا يبالي بتبعات ذلك و ان كثرت و تكررت.... فجزاه الله خيرا و غفر له ورحمه برحمته الواسعة.
أحمد سالم ولد التا كاتب ومترجم مقيم في فرنسا