في سنة 2010 كتبتَ، "أستاذنا" كمال ولد محمدو، "تأبينا" لفقيدنا حبيب ولد محفوظ بعد تسع سنين من وفاته المؤلمة.
.في سنة 2019 أكتب ردا عليك بعد تسع سنين من خرجتك الحاقدة الساقطة. ولا أخالك إلا متفهما، رحب الصدر، لقاموس سافل كنتَ قد أخرجتَ مفرداته الفجة لتترحم بها على رجل كان موته رُزءا لعشرات الآلاف من أصحاب القلوب الرحيمة.
لقد تأخرتَ تسعا لأنك جبان (ما كنتَ لتكتب ما كتبت في حياة الفقيد)، فتأخرتُ تسعا لأحاكيك في جبنك. أخذتَ عليه أنه لا يستحق كل هذا التقدير وكل تلك الدموع المنهمرة من أحرف أصدقائه ومحبيه. أخذتُ عليك أنك لا تستحق المقارنة مع سيد طوّع اللغة الفرنسية فانصاعت له وانقادت وانحنت في إجلال لا نظير له.
ولربما استبد بك الحسد لأنك أحببت لغة موليير فركبتك وأرهقتْ كاهلك، ولأنه أحبها فأهدته منكبيها فركبها مرتاحا. فأنت، بحكم عبادتك لصنم لغة الإفرنج، جعلتَ من الفرنسية أيديولوجيا تعبدها وتعبد من اختلقوها، فيما جعلها الفقيد وسيلة تعبير جميل وأداة تخاطب أدبي أملته ظروف التمدرس إبان عقود خلت. لقد كنتَ تزقزق الحرف الفرنسي وكان يغرد به، فأنت وهو ضدان لا شيء يجمعكما غير لغة عبدتها فتحولت روثا على جبينك، ولغة أحبّها فتحولت تاجا على رأسه.
كان الفقيد، في الـ"موريتانيدات" المحسودة، يخاطب الأحياء بشجاعة فرسان الكلمة الرصينة، بينما كنتَ، في تأبينك، تخاطب الأموات بلغة باهتة، ضامرة، جائعة تأكل لحم "الأخ" وهو ميت، فلا "تكره" ذلك، بل تتبجح به.
نعم، بكاه كل من يفقه في اللغة والسياسة والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع، وليست كلماتك المتأخرة تسعا عجافا هي "من" يستطيع كبح جماح الدموع العفوية. ولو أنك رحلت اليوم، عن عالم لم تزل سكرانا بحبه، لما رأينا لك باكين ولا باكيات. فالفرق شاسع بين المصاب بملنخوليا تجري، لاهثة، وراء غيبة الأموات، ومن كرس حياته القصيرة-العريضة لكرامة الأحياء وضبط سلوكهم وترقية أفكارهم والدفاع عن حقوقهم. ولولا أن "الصدق يلتقي بالكذب تارة من غير ميعاد" لما تناولتكما في نفس الصفحة، فلتعذرني لأن الجنون يصيب أحيانا حتى المداد، وإلا فتسعٌ بتسع، "ولكم في القصاص حياة...".