لقد نجحت المعارضة في تصويب جميع الأنظار حولها وهي تتمسك بخيار التوافق وتحاول ترويض نفسها على التماسك في وجه طموحاتها الفردية والحزبية. إنه تحدٍ صعب في ضوء قرارها التاريخي كسب رهان "المرشح الموحد " ، ليس الأمر بسيطا كما يحلو للبعض تصوره ،بل هو وعي بالمسؤولية تعترضه مباديء إيديولوجية ،ومسار مليءبالتعثرات وعدم الثقة
.،لكنه من جهة ثانية موعد مع التاريخ ،مع المحاولة المليئة بالإغراء بتحقيق التناوب وانتزاع السلطة من الجيش بقوة العزيمة والحنكة لاغير.المعارضة اليوم قاب قوسين من هذا النجاح الباهر لكن فقط عندما تنتقل من مرحلة التعصب "لمفهوم المعارضة" نحو الانفتاح على "مفهوم الوطني" أي نحو جمع القوة الوطنية الجادة التي تنشد التغيير خلف خيار يضم الكثير من الناس وتختلط فيه الأوصاف . فمن المعروف أن المعارضة لاتملك القدرة على تحقيق التناوب لوحدها بمعني خلف شخصية من داخلها، وفي جميع التجارب الأفريقية الناجحة يتم تبني أهداف استراتيجية لهذا الغرض ، فلابد من شخصية جامعة على نفس المسافة من الجميع تقريبا لكي يسهل ذلك من التعاطف معها وأكثر من ذلك بخلق الثقة في التغيير الذي يتجنب عدم الصدام أو المواجهة ،فالقوة عادة التي تخرج من بين أصابع النظام للوهلة الأولى وتكون بادرة الانشقاق في صفوفه، تبحث في البداية عن ضمانين بأنها لن تكون في الصف المعادي أو المتصادم مع النظام لكي لا تغلق باب العودة في حالة عدم نجاح مرشحها خاصة أن هذه القوة تكون في البداية وفي الغالب من المتضررين أو المخدوعين أو المهمشين من النظام مثل أصحاب المواقف الأيديولوجية أو السياسية الذين انضموا للنظام تحت مطالب أو مواقف لم تتحقق أو رجال أعمال وتجار وشخصيات اجتماعية وموظفين ،.... والضمان الثاني أن لايكون ذلك تحول من النظام إلى المعارضة ، وهذا لايمكن تحقيقه خلف شخصية من المعارضة بمفهوم الانخراط الحزبي ،وبصفة عامة ودون استمالة هذا الكم المتنوع لايمكن أبدا التنبؤ بموضوع التناوب خاصة أن من مزايا دعم هذا الكم من داخل النظام القدرةعلى خلق القلق داخل الموظفين والجيهات المسؤولة في الدولة باحتمال نجاح هذا المرشح "الوطني " مما سيعطي تراجعا في الاندفاع للتزوير ويشجع على تبني مواقف وطنية مثل ما وقع في غامبي وفي السينغال وغيرهما . وعكسا للوعي بأهمية مثل هذا التخطيط يتحجج البعض داخل المعارضة بأنها ستكون فاشلة إذا لم تستطع أن ترشح من داخلها أو أنها ستعطي ثمرة نضالاتها لمرشح من خارجها وهذا في الواقع غير صحيح فهي لا تعطي النجاح لكنها تريد من يساعدها على ذلك أي من يملك السمعة والقوة والمال ومن هو سهل التسويق داخل جميع الأوساط ومراكز القوة والتأثير على السلطة وعلى الخريطة الانتخابية الأخرى . إن المعارضة أيضا بحاجة لقوة من خارجها لكي تحقق ذلك الهدف ويستدعي الأمر وبالضرورة أن يكون المنطق منطقا تشاركيا يقوم على التكامل ، وهو ما لا يتم أخذه بعين الاعتبار داخل قطاع عريض من المعارضة ما زال يراوغ وكأنه يعمل من أجل مشاركة المعارضة لكي تضفي شرعية فقط على" استمرار النهج " وهذا ليس تفكير "مُعارضي"صرف ! أو على الأقل مجاف لتحقيق أهداف المرحلة .
إن المعارضة بحاجة لأن تحقق نجاحا وطنيا يحسب لها في تاريخها وقد كان العائق الوحيد دائما أمامها هو البقاء داخل المقاربات نفسها قريبة المدى التي تحتضنها الأنانيات الحزبية الضيقة وقد ظل هذا هو مسارها طيلة ثلاثين سنة تقريبا ،وضيعت بسببه فرصا كبيرة على البلد وقد آن لها اليوم أن تنتقل إلى مرحلة الدفاع المشترك أو المحاولة المشتركة لاغتنام الفرص الوطنية التي تتمثل في تحقيق الأهداف العليا للديمقراطية وللسلم وهي التناوب وإنتقال السلطة من خندق المؤسسة العسكرية إلى الفضاء المدني الرحب الذي يملك الخبرة والتكوين لبناء الدولة . إن فشل المعارضة في كسب هذا الرهان سيجعلنا نخطئ فرصة لتحوّل لا ندري متى وكيف سنحصل عليها في المستقبل أو هل سيستمر البلد في وضع الاستقرار حتى نصل إليها ؟ إنه على كل حال أمر لاتؤيده طبيعة الأوضاع ولا عجلة تسارع انتشار خطاب الكراهية والعنصرية ولغة الانتقام والتمييز .نحن اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة لمعارضة وطنية لا معارضة حزبية حتى تنقضي 4أشهر أخرى من السنة و ليس هناك بد من التذكير بأننا بصدد أربع أزمات بغض النظر عن من سيفوز في الانتخابات القادمة إقتصادية وإجتماعية وسياسية ومؤسسية إنها تتطلب خبرة وتجربة وقدرة على تصور الحلول ليست وليدة اللحظة .إنها فرصة المعارضة أن تقدم الرجل المثالي ليس بالنسبة لأدبيات المعارضة لكن بالنسبة للبلد .فعليها أن تختار بين الانتصار للبلد والإنتصار لأدبياتها.