من عاداتنا أن ننظم الحوارات السياسية و ذلك أمر طبيعي لأننا "نمارس" الديمقراطية و لأن قواعد اللعبة تقتضي كلما دعت الحاجة، أن يتشاور رجال السياسة ليخرجوا بأفكار متفق عليها من أجل ازالة الصعوبات التي تسببها الآراء المتناقضة و المواقف الجامدة التي تظهر من حين لآخر.
.و لكن تنظيم سلسلة من الحوارات ذات الطابع المدني أولى من تنظيم الحوارات السياسية لأنها تساهم في توعية الشعب و دعوة السياسيين إلى التوافق على الأهداف التى يخدم بلوغها تنمية دولة فتية مازال جل سكانها يأنفون من التخلص من عقلياتهم القديمة.
و بدون هذا "التقويم المدني"، فإن أي جهود مبذولة من أجل البناء ستبقى غير فعالة... فمحاولة جر شعب بأكمله نحو هدف يجهله و غير مقتنع به تشكل ضربا من الخيال... أجل، فإن هنا و هناك نيات حسنة و لكن مفهوم المواطنة عندنا لم يصل بعد إلى المستوى اللازم.
و نتيجة لذلك، فكلما ظننا أننا خرجنا من الحقبة المظلمة، نلاحظ أننا نخطوا خطوة إلى الوراء نحو الأمراض الإجتماعية التي ظننا أننا تخلصنا منها بلا رجعة... و هكذا، فإن الجهوية و القبلية و مخلفاتهما تسترجع نضارتها كلما نضجت جلودها.
و من المفارقات الغريبة أن الذين يلجؤون إليها عادة ليسوا من الشيوخ و الأميين بل هم، بالدرجة الأولى، رجالات السياسة و المثقفون و المرشدون الاجتماعيون.
و عليه، فإن الحاجة ماسة إلى فتح ورشات لتعليم المَــدَنِــيَّــةِ من أجل تحضير الموريتانيين لممارسة واجباتهم السياسية... و بدون هذه الإجراءات، فإن مفهومنا للمواطنة و للحقوق و للواجبات سيبقى حلما مستحيل المنال و ستبقى أحزابنا السياسية مجرد خزانات للأوهام.
"ما لا يصح الواجب إلا به فهو واجب"... و الديمقراطية و الحوارات السياسية و الانتخابات لا تستفيد منها الا الشعوب الناضجة و المصممة على قطع الحبل السري الذي يربطها بالتشوهات الاجتماعية و عقليات الماضي.
من صفحة الكاتب والأديب محمد احمد ولد الميداح