انتشرت في هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعض المقاطع ،وبعض التدويناتالتي تهدف إلى النيل من مصحف شنقيط ،وترمي إلى هز ثقة التالين لكتاب الله تعالى في هذا المصحف المبارك ،
.وبما أن الموضوع يتعلق بأقدس المقدسات ،وبحكم اطلاعي واشتغالي ردحا من الزمن بهذا المجال فأرى أنه لا يسعني السكوت على تلك المنشورات المغرضة التي يبدو أن الهدف منها سياسي بامتياز ،بعد ما تبين أن كل النسخ التي وقعت بأيدي الناس ممن اتصلنا بهم في الداخل والخارج بريئة مما ذكر براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام ،ولعل قصارى ما في الأمر ما اتضح أنها نسخ تجريبية لإبداء الملاحظات عليها إبان إعداد وإخراج المصحف الشريف قبل خروجه في إبرازته النهائية ،وباعتبار أنني أعيش في المهجر ما يناهز العشرين سنة فإنني أدلي بشهادةلا أخاف منها بخسا ولا رهقا ، إذ لا صلة تربطني من قريب أو من بعيد بأحد من اللجان المشرفة ،ولا بالوزارة الوصية ،ولا بالمطبعة الناشرة ،ولكنها الحقيقة والحق لا غير ، فأقول إن مشروع فكرة طباعة المصحف الشريف في بلاد شنقيط ونشره وإخراجه إلى العالم مجهود عظيم يذكر فيشكر ،ورصيد طيب ينضاف إلى العديد من الإنجازات التي تحققت في الحقل الإسلامي على عهد فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، طالما انتظرناها في الداخل ،وانتظرها العالم الإسلامي منا خلال نصف القرن الماضي،لا ينكر ذلك إلا من أراد أن يحجب الشمس بغربال .
وإنني لفخور بأن حصل لي الشرف - في سنوات ماضية - أنكلفت ببلد من البلدان الإسلامية بالإشراف على تقييم العديد من المصاحف المطبوعة على رواية ورش عن الإمام نافع المدني شملت العديد من الطبعات في العالم الإسلامي كطبعة مصحف دار ابن كثير ومصحف دار القادري ومصحف دار ابن الهيثم ومصحف شنقيط ،والمصحف المغربي ومصحف مجمع الملك فهد ...الخ ،فتبين للجميع بعد مطالعتها تفوق مصحف شنقيط على جميع تلك الطبعات الورشية ،وقد نوهت وأشدتحينها في تقرير مفصلبمصحف بلدي ،لا تحيزا أو مداهنة ،بل رأيت أنه استحقاق منتزع بجدارة في العالم الإسلامي .
ولك أن تعجب أن أحد أولئك المدونين الساعين إلى هز الثقة في مصحف شنقيط حمله الطعن الذي أراد أن يسدي إلى المصحف الموريتاني على أن يبتدأ بالطعن في كل المصاحف من أوائل القرن العشرين ،وفي كل لجان المصاحف في البلاد الإسلامية ،واتهامها بالتدليس على العوام ،وثلث بمصحف شنقيط ،ولم يسلم الإمامان الشاطبي والطالب عبد الله ،فكان حريا أن ينشد :
تكاثرت الظباء على خداش @ فما يدري خداش ما يصيد .
أما ما أبداه بعضهم من العنتريات التي يحاول أن يستبيح بها الغض من هذا المصحف المبارك ،جاعلا من الحبة - في نظره – قبة ،فعجيب أيضا ،إذ لم نألف في بلادنا هذا التمدح بالتخصص أو بما درسناه أو حصلناه من تحصيل علمي ،على غرار ما عهدنا عليه شيوخنا الشناقطة من نكرانهم لذواتهم ،وتجافيهم عن الاعتداد بالنفس وبالعلم ،وغير ذلك من الملكات التي حباهم الله تعالى إياها ،وإنني بحمد الله تعالى لا أقول ذلك عن عوز أو قل فيما قسم الله لي من فضله في هذا المجال ،إذ قد عد العلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي كتم ذلك عند حصول مقصد شرعي يستذعي ذكره من المحظورات التي ذكرها في نظم المحارم حيث قال :
وكتم فضل الله علما وغنى @ كليس عندنا وليس معنا .
فلو شئت – مجاراة -لذكرت شيئا مما ذكره البعض فلصَدقت ولصُدقت ممن خبرني أنني صاحب اختصاص في الرسم والضبط وفي القراآت ، سبعيها وعشريها ،كبراها وصغراها (ونتيجتها ) ،ولي العديد من الدراسات التي نشر بعضها ،والبعض في طريقه إلى ذلك ،وإنني بهذا الميدان لفارس وابن فارس ،تفضلا من الله تعالى علي ،لكنه الشيء الذي لم أتعود ذكره من قبل .
هذاوإن قصارى ما دونه أولئك الطاعنون في صحة مصحف شنقيط اختلافات في بعض التحريرات في هذا الفن ،لا تصل إلى تعكير صفو صحة مضمون المصحف رسما وضبطا ،إذ لا يخفى على أحد من المتخصصين أن هذه التحريرات في الغالب مدارها وقطب رحاها ظهر في أواخر المائة السابعة وأول المائة الثامنة على يد شيخ شيوخنا خاتمة المحققين العلامة محمد ابن الجزري رحمه الله تعالى الذي أكثر منها في بعض كتبه ،وبخاصة كتابه العظيم النشر في القراآت العشر ،وذكر البعض منها في نظم طيبته ،كقوله في باب الإدغام الكبير :
أدغم بخلف الدوري والسوسي معا @ لكن بوجه الهمز والمد امنعا .
وتوالى من بعده المحررون من تلامذته كالشيخ يوسف أفندي زاده وغيره ،ثم جاء من بعدهم كالشيخ العلامة شحاذة اليمني ثم السمنودي... وغيرهما.
والذي عليه أهل التحقيق حيال هذه التحريرات في ضبط القراآت أنها تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول منها - وهو أقلها - يتأكد العمل به ،ولا يليق تركه ،من حيث انه التزام بما ورد عن الإمام ابن الجزري مثلا ،الذي هو أعلم بما قرأ به على شيوخه ،وما أقرأه هو لطلابه .
والقسم الثاني منها - وهو الكثرة الكاثرة في هذا الباب - تحريرات ظنية احتمالية ،أحسن أحوالها أنها اختيارات ممن وضعوها ،لأنهم قرأوا بها على شيوخهم أونحو ذلك ،ولا تلزم غيرهم ممن لم يقل بها ،فلا ينبغي الإيغال فيها إلى الحد الذي يوقع في الحرج والعنت،ويضيق على عموم الأمة في أمر لهمعنه مندوحة ،وهذا هو الواقع اليوم عند بعض من المشتغلين بهذه التحريرات،ممن يريد حمل الناس على الكثير من تلك الظنيات الاحتمالية .
وختاما : أقول لجميع أولئك – متخصصهم وغيره – دعوا الاصطياد في المياه العكرة بمحاولة النيل من مكانة مصحف شنقيط ،فواجب على جميع المسلمين أن يبعدوا كتاب الله تعالى عن كلمهاترات ومماحكات أهل العالم الواقعي والافتراضي وأهل السياسة ومن ينحو تلك المناحي وأشباهها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
د/ سيدي يحي ولد عبد الوهاب