لم تظهَر لي إلى حدِّ الآن مؤشِّرات بحلِّ حِزب "تواصل" المتداول. يبدو أنّ هنالك مسبِّقات موضوعيّة وداخلية (صعود السيسيّة كحالة حُكم في وضع القلاقل؛ التشجيع السعودي-الإماراتي؛ ظهور خطاب اتهامي للحزب في أوساط النظام). غير أنّها ما زالت تبدو لي في مجال الخطابة والتعبئة. وعلى العكس أعتقِد أنّ حلّ هذا الحزب سيكون، لو حصل، حماقة استراتيجيّة. أعتقِد أيضاً أنّ التجربة العموميّة ستخسَر به، بدل أن تكسبَ منه. وفيما عدا هذا أوّد المساهمة في هذا النقاش ببعض النقاط:

1-منذ 2006 رُفِعَت الحركة الإسلاموية إلى مقام المجتمع السياسي الشرعي، فيما أُبقيَ "البرابرة" خارج أسوار روما: إنّهم هنا بالأخصِّ حزب الرّكَـ، التابع لحركة إيرا وحزب القوى التقدمية للتغيير، المنحدِر من حركة أفلام سابقاً. وبهذا التحق الإسلامويون بأحزاب حُظِرت أو وُضِع أمامها الفيتو كأحزاب حركة الحُر، التي تفتّقت بعد العهد الطائعي إلى ثلاثة أحزاب.

2-في العهد الطائعي كانت الاستراتيجية "الدِّيمقراطيّة" هي منع الإسلامويين من المشاركة السياسيّة والسماح للمعارضة التاريخية بمشاركة محدودة. في العهد العزيزي قُلِبت المعادلة فمُنِعت المعارضة التاريخية من المشاركة وسُمِح لحزب تواصل بالمشاركة الحُرّة. في العهد العزيزي أُنهِي تمويل المعارضة وروقِبَ ممولوها ومُكِّسوا بحيث إنها دخلت انتخابات 2018 خالية الوفاض. أمّا حزب تواصل فقد حافظ على تمويل جيّد في العهد العزيزي. وقد صارت موريتانيا هذا العهد مكاناً نشطاً لمؤتمرات الإسلامويين بما فيه المؤتمر الجهادي في 2010.

3-من خلال تعصيب وهيكلة الدِّين يُساهِمُ حزب تواصُل في دمقرطة قطاعات كانت دمقرطتُها لتكون صعبة بدونِه. فيتمّ تكوينها في العملية السياسيّة وتدريبُها على حلّ المعضِلات بالصناديق. صحيح أنّها تستخدِم هذه الآلية الحداثية في التعبئية الجهادية (أي التصويت ضدّ غير الصالِحين أو الكُفّار، ناهيك عن عملية الأسلفة المتناميّة). ولكن هذا لا يختلِف عن دمقرطة العشائر التي تقوم بها السياسيات الأعيانية للدولة الحديثة، سواء الاستعمارية أو ما بعد الاستعماريّة، بما فيها استخدام الدين الرسمي في عملية بناء المواطنة. وعليه فإنّ إعادة عدم تشريع هذا الحزب سيُنتِجُ فراغاً في الاتفاق على قواعِد اللعبة وقد تكون لها نتائج وخيمة.

4-إذا كان الهدف من حلّ الحزب هو الالتفاف على تمويلِه وقوّتِه فهذا تعليل سخيف. أوّلاً جُزءٌ من قوّة هذا الحِزب هو الطواقِم البشرية وقيّم التضحيّة والتطوّع، وبهذه يمكن الالتفات على التمويل بنسبة كبيرة. نفس هذا يوجد لدى حركة إيرا، وربّما بشكل أفضل من حزب تواصل.

5-جُزءٌ من تمويل حزب تواصل يعود إلى ديناميكيات محليّة: مساهمات تجار التجزئة وعوائد المغتربين، الذين وُظِّفوا بعلاقات هذا الحزب الإخوانيّة. ويأتي جُزء منه حتّى من النظام. فقد خبِرتُ في السنوات الطائعية تمويل سيدات المجتمع الطائعي للأنشِطة الدعوية والصالونية للحزب الإسلاموي (من دفع وتأثيث ورفادة واستضافة ونقل وتزويج الخ). وبالتالي فجزء عظيم، إنْ لم يكن الأهَمّ، من تمويل هذا الحزب هو : 1-زئبقي وقاعِدي و2-يأتي من التفاصيل السوسيولوجية للنظام نفسه: يسرق رجالات النظام الثروة فتقوم زوجاتُهم بـ"تحليل" هذه الثروة بصرفِها في الدعوة. 3-تمويل هذا الحزب الأهمّْ يقومُ بالخلية وليس فقط بالميزانيّة المركزيّة. وبالتالي فلا يُسعِفُه الحلّْ، بل يزيدُه.

6-يظهر من ردرود القادة التواصليين أنّ زعيم حِزبِه الحالي استراتيجي وإنْ لم يكن كاريزمياً، فيما القادة الآخرون كاريزميون وإنْ لم يكونوا استراتيجيين. في هذه اللحظات يحسن الاستماع للعقل ونبذ البهرجة الخاوية. من الجلي أنّ التجربة المصرية لم تُستلهَم. جزءٌ من هذا هو أنّها لم تُصوّر أصلاً. وما يوجد في فهمها هو العاشوريات وليس الاستلهامات.

7-ظهر أنّ بعض النشطاء الليبراليين، في النظام وفي المعارضة، يَقبَلون مبدئياً بحلِّ الحزب الإسلاموي. أعتقِد أنّ هذا يُفسِّر نوعاً من المرارة التي شعَر بها هؤلاء في التقاءاتِهم الميدانيّة والافتراضيّة بالإسلامويين، بما فيها تعرّضُهم للشتم اليومي من قِبلِهم. أعتقِد أنّ هذه المواقِف هي أحياناً شخصيّة أكثَر مما هي مبدئيّة (مع أنّ الفروق هنا غالباً اصطناعيّة). أعتقِد أنّ وجود حزب محافِظ كبير في عملية ديمقراطية ناشئة يخدم النظام التعدّدي الذي ننافِح عنه. أعتقِد أنّه يجب أنْ يُناضَل في المقابل عن مجال عام حُرّ وخالٍ من العنف اللفظي وعن سياسيات تُساوي بين الأحزاب في التمويل وفي النفاذ إلى المواطن.

أعتقِد أنّ هذه أيضاً فرصة للتواصليين لتثميين الآراء الحُرّة، التي تُخالِفهُم أحياناً ولكنّها تُدافِع عن الشرعيات المُختلِفة وعن قواعِد اللعبة.

8-أعتقِد أنّ جزءاً من الهرج الدائر حالياً أرستقراطي حيث يُسكَتُ عن حظر الأحزاب الفقيرة ويُولوَل ضدّ إشاعة عن التفكير في حلِّ الأحزاب الغنيّة. أعتقِد أنّ جزءاً من هذا أشرافي وأنسابي وأرستقراطي

عباس برهام