ثلاثة أشخاص كانوا، بالنسبة لأطفال المدرسة رقم 3 في بتلميت، يشكلون المثال الحي للأبوّة والحكمة والرشاد: مدير المدرسة المرحوم سيدي محمد ولد محمد فال ولد سيديا، ومسؤولة أشغال الكفالة المدرسية المرحومة ماريّه (والدة أسرة أهل تيكي العريقة، وأم الكادح ورجل الأعمال محمود رياض)، ومعلم اللغة الفرنسية المرحوم الشيخ ولد أحمد عيشه الذي التحق بالرفيق الأعلى يوم أمس.
.كان الشيخ أول من علمنا مبادئ اللغة بأسلوب شيق لا يخلو من النكتة والمنهجية. كان يشير بيده إلى ماريّه وهي تهرس الذرة والقمح في مهراسها تحضيرا لعشاء المكفولين ليعلمنا كيف نصرّف فعل Piler. فيقول ونحن نردد معه:
Maria pile le mil
Elle pile le mil
ارتبطت أسرة أهل أحمد عيشه في مخيلتي بالتعليم إذ درّسني، إضافة إلى الوالد الشيخ، ابنه بلاهي (الجنرال الحالي) وابنته مريم جنك (الوزيرة في ما بعد). لم أعد أتذكر كيف درسني بلاهي في السنة الثالثة من الابتدائية: هل كان معلما قبل دخول سلك الدرك؟ أم أن الشيخ كان يبعثه إلينا، تارة، ليدرسنا مكانه في حالة تغيبه؟.. أما مريم فدرستني في السنة الرابعة ابتدائية قبل أن تغادر إلى نواكشوط لتدخل مدرسة تكوين الأستاذة وألتقي بها في السنة أولى إعدادية فأصبح تلميذا لها للمرة الثانية.
أتذكر أن المرحوم الشيخ لم يكن، في ذلك الزمن الجميل، مجرد معلم، بل كان مربيا للأطفال، ينصحهم، ويواسيهم، ويداعبهم، وقليلا ما يلجأ إلى العقاب الجسدي، وعندما يلجأ إليه، في حالات نادرة جدا، لا يكون ذلك أبدا بدرجة العنف الذي عرفناه في ما بعد عند المعلميْن آنْ عبد القادر وولد حمني.
أما مريم فهي كيّسة، هادئة، موطأة الأكناف، لا تصرخ أبدا في وجه الطفل ولا تعامله بالسوط، وإنما بالكلمة الطيبة.
ومن المؤسف حقا أنني لم ألتق أبدا، بعد بداية الثمانينات، لا بالحكيم الشيخ ولا بالرزينة مريم ولا بالمعلم "الخاطف" بلاهي، لكن الذكريات ظلت تحفظ لهم الود وتكن لهم كل التقدير والاحترام.
وفاة المعلم الشيخ، فرصة (غير سعيدة طبعا) لإبداء شهادة حول هذه الأسرة الطيبة التي على يدها تربت وتخرجت أجيال من أحياء لحواش وأكضاي وطيبه واجّنكه، وبعلمها وثقافتها وأخلاقها تعلم مئات الأطفال كيف يدخلون الحياة مسلحين بما يلزم لبناء مستقبلهم وصقل عقولهم والاستفادة من تجاربهم.
فرحم الله المعلم الشيخ وأسكنه الفراديس مع الشهداء والصدّيقين، وأطال عمر الأستاذة الفاضلة مريم و"المعلم" بلاهي، وبقية أفراد الأسرة الكريمة.