على مدى عدة أشهر، أجرى مبعوثون من الأغلبية وممثلان عن المعارضة مفاوضات سرية، تمهيدا لحوار وطني جديد. لقد اكتنف المفاوضات تعتيم تام ولكنها أخفقت في نهاية المطاف، بعد عدة جولات من المناقشات لم يقبل أي من أطرافها المساومة حول النقاط التي يعتبرها "أساسية" لإجراء انتخابات شفافة. هل كان يمكن خلاف ذلك؟ إن
.المعارضة التي سئمت بعد العديد من التجارب الكارثية، كان ينبغي أن لا يغيب عن ذهنها السيناريو الأقوى احتمالا: فمنذ اتفاقيات داكار التي داسها النظام باستهتار، منذ نهاية رئاسيات عام 2009، فهو لا يقيم وزنا لخصومه. وقبل أقل من عام على نهاية ولايته الأخيرة، عندما أجبر على التخلي عن مقاليد الحكم، فلا ينتظر من ولد عبد العزيز أن يصبح "مهذباً".لقد ضحت المعارضة أكثر من اللازم ونزعت القناع عن ممارسات النظام ولا ينتظر منها أن تتيه في مساومات سرية، لن يفوت هذا الأخير فرصة تحقيق الأرباح منها، ويقدم خصمه باعتباره العائق الأبدي أمام الانفراج. وقد بدأت الحملة بالفعل من خلال تغريدات ولد محم، رئيس الاتحاد من أجل الجمهورية. إنها قمة "التلاعب والتشويه"، يعلق لو گورمو بخيبة أمل كبيرة.
وقد ظهر تواصل، من جانبه، من خلال بضعة تصريحات لرئيسه، تسمح من الآن باستخلاص بعض الملاحظات والاستنتاجات حول هذه المفاوضات السرية الشهيرة. أولا، تم عن قصد استبعاد الوزير الأول، ورئيس الجمعية الوطنية، ورؤساء أحزاب الأغلبية الرئاسية، وعدة مكونات أساسية من المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (النقابات والمجتمع المدني)، وبطبيعة الحال، مجموعة الثمانية G8، وأعضاء مجلس الشيوخ وغيرهم كثير، وذلك من أجل الحفاظ على سرية وعتامة الصفقة، مع أنه من المفترض أن تقدم حلا للأزمة السياسية الوطنية. ثانيا، أجريت مناقشات بطريقة تقليدية في السوق: يبقى الزعيم الحقيقي بعيدا عن المفاوضات حول السعر وشروط التسليم ليستطيع باستمرار أن يطلب (يحصل على)تحسين العروض، التي تنقل عن طريق مأمورين يتحدثون باسمه، دون أن يتمكنوا أبدا من إبرام الصفقة بأنفسهم. ثالثا، على الرغم من البعد الكبير للاتفاقية المرجوة، فلم تشارك أية شخصية من الزنوج الأفارقة ولا الحراطينفي هذه المحادثات، حيث يدعي ما لا يقل عن نصف المفاوضين الستة أنهم ينتمون إلى الحركة الإسلامية وحدها.
يبدو أيضا أن عدد من القضايا "الشائكة" جدا قد تم المرور عليها مرور الكرام، بما فيها ملف ثلاثة عشر من أعضاء مجلس الشيوخ والنقابيين والصحفيين والفاعلين الاقتصاديين ونشطاء حقوق الإنسان، وكلهم ضحايا أفعال خطيرة خانقة للحرية: السجن، الإقامة الجبرية، سحب جوازات السفر، مذكرات الاعتقال، الإجبار على المنفى... كما يلاحظ أيضا التعتيم الكلي على مساواة المشغلين الاقتصاديين أمام مصالح الضرائب والجمارك والصفقات العمومية، رغم أن هذا يشكل مسألة حاسمة من مجرد منظور الحرص على شفافية الانتخابات.
وأخيرا، إذا كان البدء السري لهذه المناقشات يفسر، إلى حد كبير، الفشل الواضح للشعارات والاحتجاجات التي قام بها في الأشهر الأخيرةالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدةـدون اقتناع، بطبيعة الحال، والتي كانت مخالفة جدا لهذا الخط السياسي القائم على الحل الوسط (أو المساومة المشبوهة) مع النظام ـ فإن الثقة بين المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدةوشركائها في مجموعة الثمانية G8هي التي تمت زعزعتها بقوة. وبالتالي، فإن الاضطرابات محتملة، خلال الأشهر المقبلة التي ينتظر أن تنسحب فيها عدة عناصر من الجبهة.وبالتأكيد ليست البراعة هي التي حملت رئيس تواصل على القول بأن نظيره مناتحاد قوى التقدم قاد بالفعل المفاوضات، نازعا منه بذلك إمكانية النأي بنفسه عنها، على الرغم من إصراره على ادعاء ذلك، أمام مجموعة الثمانية G8.
ليس الوضع أكثر وضوحًا، في معسكر النظام، حيث تندرج هذه الأحداث في حرب الخلافة والمواقع التي أصبحت مفتوحة الآن بين الطوائف: لقد مارسوا لعبة "سر إلى الأمام لأطلق النار عليك من الخلف"، مما يعقد يزيد تعقيد الوضع السياسي المعقد حيث يردد الجميع بإلحاح أن "الإسلام مرجعية الأمة"، مدعيا بذلك أنه يتصرف "طبقا لتعاليمه"، أو يفتخر بـ "الوطنية"، ويزعم القيام بعمله بعد "تحليل ملموس للوضع الملموس".لا شك أن الفوانيس لم توقد ولكن ظلاما دامسا وتعيسا يسود على مسلسل قاتم يعجز اللسان عن وصفه، ودائما مع نفس السؤال المقلق: كيف يمكن إخراج موريتانيا من الأزمة التي يزداد عمقها وتعدد أشكالها، والتي تغوص فيها بشكل مرئي، كل يوم أكثر فأكثر، بشكل مأساوي وخطير؟
أحمدولدالشيخ