في هذه الورقة سنعرفكم على شخصية علمية فذة؛ ألا وهي شخصية الخليفة العام الجديد للطريقة المريدية.
.
ولد الشيخ محمد المنتقى البشير امباكى بقرية دار السّلام كَيِلْ سنة 1933م وتربى كما يتربى أبناء وأحفاد الشيخ أحمد بنبه على العلم والمعرفة والتربية الروحية السامية، وفي سنته السادسة بدأ دراسة القُرآن الكريم فِي دار السّلام كَيِلْ عَلى يد الشيخ محمد البشير طال، ثمَّ أكمل دراسته على يد الشيخ مُور امبَي سِيسه، حتى حفظه حفظا جيّدا عن ظهر قلب. كما بدأ دراسة العلوم الشرعية واللغوية على يد العالم العلامة الرَّبانيّ الشّيخ الإمام سرين حَبيب الله امبَاكي،
بعد ذلك اقترح عليه والده الشيخ محمد البشير أن يتجه الي موريتانيا
وكان والده قد درس على العلامة سيد ولد التاه وتوارثت العلاقة بين الشيخ سيرين منتقى والعلامة الشيخ حمدا حفظهما الله تعالى
َّ شدَّ الرّحال إلى أرض شنقيط (موريتانيا) ليعمق دِراسته اللغوية والفقهية في المحاظر الموريتانية، وكان في صُحبته المؤرخ الشيخ مُصطفى عبد الرّحمن لوه ابن عمته، وقضيا بموريتانيا زمانا تميز بالجدّ والاجتهاد، أخذ فيه الشيخ محمد المنتقى البشير امباكىٍ عن علماء موريتانيين كثر، ولقد حدثني الدكتور مرتضى بوسو فقال: أخبرني الشيخ محمد المُرتضى بُوسُو حفظه الله تَعالى ورعاهُ بأن الخليفة العام محمد المنتقى البشير امباكى حدثه أنه درس على علماء موريتانيين كثر؛ كالعلامة القاضي المُختار ولد ابلول ومحمد عالي ولد عدود، وقد نال الإجازة من هذين العالمين، وبعيد رجوعه من رحلته الشَّنقيطية هذه أمره والده أن يرتحل إلى الشيخ محمد دم الجوربلي ليدرس عليه ويَقتبس من أخلاقه وهديه وسمته وعلمه النير.
يمكن القول إنَّ الشيخ محمد المنتقى امباكي (حفظه الله ورعاه) عالم بارع متبحر في الفنون النقلية والعقلية، ويتمتع بذاكرة قوية ساعدته على حفظ المتون وتذكرها عند الاقتضاء. وجال بين علماء وطنِه السينغال ثم التحق بالجامعات الإسلامية لمواصلة دراساتهِ العُليا، فدرس بها سنوات عديدة حتى أحرَز شهادات عالية.
بعد هذه الرحلة رجع إلى مَسقط رأسِه مدرسا هاديا مرشدا لأتباعه الكرام، مستمسكا بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فعل آباؤه من قبل.
ملك الشيخ محمد المنتقى البشير امباكى ناصية اللغة العربية فسبر أغوارها وهو شاعر مرهف الحس، ومتذوق للأدب طبعا، وله في المحبة:
أحبُّك يَا إلهِي حُبًّا مطبعا ~~ ومِن ذاكَ حبّ للنبي ضَروريا
ومن ذَلكَ الحُبِّ الكبِير مَحبَّتي ~~ لشَيخ خَديم للرسُولِ اختيَاريا.
كما اهتم بالشريعة المُطهرة فأفتى في النوازل العظام التي ترفع إليه. آثر الخمول على الشهرة، واهتم بالتصوف منهجا وسلوكا. يقول العارفون به إنه دوما يكرر أن العلم الحقيقي لم ينحصر في كثرة الرواية؛ بَل إنَّه نُور مع الدراية. ولقد شهد له بالتضلُّع في العلوم جم غفيرٌ من نُخبة العُلماء وصفوةِ الصفوة، وحَسبك منهم العلامة الشيخ المحاضر سَرين شام امبي رحمه الله تعالى.
له مؤلفات عديدة منها كتابه الشَّجرة الرَّمزية إلى معاني السعادة الأبدية. يقول الشاعر الديماني أحمدُّ سالم بن محمد بن محمذن بن عمِّ ذاكرا بعض خصال الشيخ أحمد بنبه؛ والتي تحلى بها الشيخ مُحمد المُنتقى امباكِّي:
غادر الشــيخ كل عز هباء~~ مــلأ الأرض مـــجده والـــسماء
كل يوم يزداد عـلما وحلما ~~ وســنــــاء ورفــــعة وبهـــاء
كم رأينا عليه من وسم خير ~~ فانظر اِن شئت أن تــــرى الفضلاء
ذاك فــــضل من الإله جليل ~~ يجــــعل الله فـــضله حــيث شاء
أيها الحــــاسد المشمر ذيلا ~~ اغضض الطرف مهْ وراء وراء
قد رأينا ما قد رأينا ابتداء ~~ ورأيـــنا ما قـــــد رأيــــنا انتهاء.
نصب يوم 10 /01/ 2018 خليفة عاما للطريقة المريدية ليكون هو الخليفة الثامن لمشيخة طوبى التي تأسست سنة 1887 على يد العالم الرباني العلامة السنغالي مؤسس الطريقة المريدية الشيخ أحمدُ بنبه (1853 - 1927) المعروف بمواقفه المعارضة للاستعمار الفرنسي. وقد عرفت المدينة في العقود الأخيرة نهضة عمرانية كبيرة جراء موجات الهجرة التي اجتاحتها بسبب عوامل البطالة والفقر في القرى المجاورة لها. وتعكس هذه النهضة توسع المدينة الجغرافي الكبير.. حيث قفزت مساحتها من 575 هكتارا عام 1970 لتصل إلى 20.000 هكتار سنة 2018 ويُمنع على سكان المدينة - بناءً على أوامر الخليفة العام للطريقة المريدية- تنظيم المهرجانات السياسية وارتداء النساء ملابس غير محتشمة، وتعرض المجاهرة بالمعاصي - كتعاطي المخدرات والخمور- أصحابها للعقوبة، كما تعتبر المجاهرة بالتدخين من الممنوعات التي يعاقب عليها بالمدينة.
ويُحظر في المدينة وجود المدارس النظامية الفرنسية؛ في حين تنتشر مئات المؤسسات التعليمية الأهلية لتعليم القرآن واللغة العربية والعلوم الإسلامية. ومن أهم المعالم في مدينة طوبى مسجد دار القدوس الذي يعتبر محطة تذكارية مهمة في أدبيات الطريقة المريدية. ومن المعالم أيضا المسجد الكبير الذي يعدّ من أكبر مساجد غرب إفريقيا، وقد بُني خلال الفترة 1931 - 1963 ويبلغ طول منارته حوالي 83 مترا ويوجد في باحته ضريح مؤسس الطريقة المريدية الشيخ أحمدُ بنبه، وقد أثار الدور الروحي المتعاظم للمدينة مخاوف الفرنسيين أيام الاستعمار فقاموا سنة 1895 بنفي مؤسسها إلى الغابون.
من صفحة الكاتب الكبير والمدون البراء ولد محمدن