في السنوات الأولى من الاستقلال، أذكر على وجه الخصوص إنشاء شركتين كانتا رمزا للسيادة الوطنيّة والاستقلال، هما : شركة الخطوط الجويّة الموريتانيّة والشركة الوطنية للإيراد والتّصدير (سونمكس).
.
أمّا شركة الخطوط الجويّة الموريتانيّة، فكان هدفها ترسيخ وُجُود الدّولة النّاشئة في السماء الوطنيّة المتراميّة الأطراف والرّبط بين مُختلف المناطق والجِهات في مرحلة كنّا نعاني فيها نقصا كبيرا وعَجزا شديدا في مجال الطرق والمواصلات،،، فساهمت في تخفيف العزلة و نقل المسافرينوالبضائع من وإلى كلّ عواصم الولايات الدّاخليّة. وعلى الصعيد الخارجي، فقد حلّقت بأجنحتها عاليّا في الأجواء الإفريقيّة حاملة رِفعَة وطن، وطموح شعب، ورمُوز دولة عازمَة على كسب معركة الوُجود في ظروف بالغة الصعوبة والتّعقيد.
أمّا شركة سونمكس، فقد تأسّست في نوفمبر 1965 بهدَف فَكِّ العزلة أو تخفيفها على الأقل عن المناطق النائية في شرق و وسط البلاد، وتموينها طوال العام (وخاصّة في موسم الأمطار) بالمواد المعيشيّة الضّروريّة مثل السّكر، والشاي، والأرز، والزّيت بأسعار وكميّات معقولة تجعلها في متناول الأسر ذات الدخل المحدود،،، وليتحَرّر سكّان تلك المناطق من التبعيّة لدُوّل الجِوار (مالي والسنغال) في حياتهم اليوميّة. ويقول الرّئيس المختار ولد داداه رحمه الله في مذكراته، بأنّ قرار إنشاء الشركة قوبِل بمعارضة قويّة من كبار التجار؛ ولكنّ المكتب السياسي للحزب كان صارما في الموضوع باعتباره ذي صلة جَوهَريّة بالسيّادة الوطنيّة وبناء الاقتصاد الجَديد.
وبعد دراسة متَأنِّيّة ومشاورات واسعة بين الحزب والحكومة والتجار، تقرّر فتح رأس مال الشركة أمام القطاع الخاص في حدود 49% تُخَوّله الرقابة على الشركة، واحتَفَظت الدولة بِنسبة 51% تسمح لها بالإدارة والتسيير. وكان من أبرز التجار المساهمين في سونمكس في ذلك العهد: السيد محمد أحمد ولد حمّود رحمه الله، والسيد بَمْبَه ولد سيدي بادي حفظه الله، وأطال لنا بقاءه؛ وهما رجلان مشهود لهما بالوطنيّة والإخلاص عندما يتعلّق الأمر بقضايا الأمّة والشّعب. ولقد أدّت الشركة دورها على أحسن وجه في العشريّة الأولى من عمرها؛ ولكنّها أخذت في التراجع والانحسار منذُ أن فَقَدَت صلاحيّة الاحتكار، وفُتِح بابُ الاستيراد على مصراعيه أمام نَمَط من التجار لا يُبقي ولا يَذَر. أجَل، بدأت تنهارُ و تَحتَضِر لمّا أُطلق العنان لرأس مال مُتَوَحِّش عاثَ في الأرض فسادا، وأتى على الأخضر واليابس مع منتصف تسعينات القرن الماضي. ومع ذلك، و رغم كلّ الذي تعرّضت له سُونِمَكس من نَهب وخَراب، وبطش؛ فإنها رفَضَت الموت، وظلت تُقاوِمُ وتُعانِد وتُصارِع ... ولكنّها اليوم تَرْفُضُها الحياة؛ وها هي تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أنْ سحَقوها سَحقا، ودَمّرُوها تدميرا، وأكَلوها أكلا لمّاً... هل تموتُ سونمَكس الآن، وتُدفَنُ مع العَلم والنّشيد ؟
من صفحة الوزير السابق محمد فال ولد بلال