قرأت مشروع النشيد الوطني الجديد وتلمست فيه بصمات الشعراء الكبار الذين ضمتهم القائمة الطويلة للجنة المكلفة بإعداده فلم أجدها. لماذا؟ لست أدري.
.
هل لأنهم لم يشاركوا فيه؟ أو لأنهم لم يجدو الجو الملائم خلال إعداده لإطلاق العنان لإبداعاتهم؟ أو ساروا سير ضعفائهم؟ أو اختلط سمينهم بغث غيرهم فذهب ببهائه؟ لست أدري.
على كل حال هم بلا شك أقدر بكثير من مستوى هذا النشيد الضعيف لغة وحرارة وموسيقى.
ورغبة مني في تقديم وجهة نظر نقدية مفيدة حول هذا النشيد أقول إني لاحظت فيه ثمان ملاحظات أساسية هي:
أولا: افتقار النص إلى وحدة موضوعية والدليل عليه أنه بإمكان كل شخص أن يغير من ترتيب أشطاره وأبياته كيف شاء دون أن يتغير شيء، مما يوحي بأنه مجرد مجموعة من الكلمات المتناثرة تم تجميعها وترتيبها ترتيبا يتناسق مع عروض بحر المتقارب على طريقة الكلمات المتقاطعة.
ثانيا: افتقار النص إلى البعد التخييلي الذي هو جوهر الشعر.
ثالثا: استعمال النص لتراكيب ضعيفة لا تدل على حضور الذائقة الأدبية فيه كـ:
١- "حصن الكتاب"
٢- "ربيع الوئام"
٣- "ثغر السلام"
٤- "بلون الأمل"
٥- "أخذناك عهدا"
٦- "حملناك وعدا"
٧- "ونهديك سعدا"... .
رابعا: التعسف في الصياغة كقوله "نلبي أجل"
خامسا: إقحام آية في النص لا يبررها إلا الرغبة في وجود آية وانسجامها مع القافية وضرورة الوزن.
سادسا: إقحام يعرب الذي هو شخص مشكوك في نسبته تاريخيا وفِي علاقته بهذه البلاد بدلا من عدنان مثلا الذي يمثل سلفا لعدد كبير من قبائل هذه البلاد، ويمثل الدوحة النبوية الشريفة.
سابعا: الربط بين جمل لا علاقة لبعضها ببعض بأي وجه كان كربطه بين جملة "سنحمي حماك" وجملة "أسارى هواك".
ثامنا: ذكر شطر "ونكسو رباك بلون الأمل" مرتين في النص لسبب غير واضح للمتلقي.
كأني بلسان حال هذا النشيد وهو ينشدني معبرا عن حقيقته:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت"
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن...
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟
لست أدري!
ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
لست أدري!...
من صفحة الكاتب والشاعر والصحفي الحسين ولد محنض