أ؟كدت تقارير ودراسات عربية ودولية كثيرة أن المنطقة العربية تقع في دائرة الخطر جراء التغيرات المناخية، وقال المنتدى العربي للبيئة والتنمية إن دولاً بينها مصر وتونس والمغرب والجزائر والكويت وقطر والبحرين والإمارات وموريتانيا مهددة بارتفاع منسوب البحار فيها جراء هذه التغيرات.
.وعند تسليط الضوء على موريتانيا نجد أنها صنفت ضمن الدول العشرة الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، ولذلك فإن العاصمة الموريتانية نواكشوط تواجه خطر الغرق على نحو مطرد، لأن أغلب أحيائها تقع تحت مستوى مياه المحيط الأطلسي الذي يحدها من الغرب.
ويرى الخبير البيئي الموريتاني أحمد ولد السنهوري في تصريحات صحفية له، أن تدهور الحاجز الرملي الواقع بين المحيط ونواكشوط نتيجة استغلاله طيلة عقود من قبل السكان في أعمال البناء والإنشاءات المختلفة، يعد السبب الرئيسي لحالة الخطر التي توجد فيها المدينة حاليًا، بحكم انخفاضها عن مستوى المحيط وتآكل الحواجز الرملية كما هو الحال في منطقة ميناء العاصمة.
وأكدت دراسة أعدها خبراء عام 2008 أن أجزاءً واسعة من نواكشوط ستغمرها مياه المحيط بحلول 2020 إذا لم تُتخذ إجراءات وقائية قبل ذلك التاريخ، بسبب تأثير التغيرات المناخية العالمية التي باتت تهدد سكان أجزاء واسعة من العالم بالأعاصير والفيضانات، ومن ضمنها المناطق الساحلية كما هو حال نواكشوط، بسبب ارتفاع مستويات البحار والمحيطات إثر ذوبان الجليد في المحيطات المتجمدة.
بناء على دراسات معتمدة قدمت العديد من الأدلة على الخطر المحدق في العاصمة، تنتشر المستنقعات والبرك في مناطق واسعة من مدينة نواكشوط بسبب غياب قنوات الصرف الصحي وانخفاض المدينة عن سطح البحر
اعترفت الحكومة الموريتانية بالمخاطر التي تواجهها عاصمتها، وأعلنت عام 2009 جملة من الإجراءات الوقائية الهادفة إلى حماية الحاجز الرملي الفاصل بين الشاطئ والمدينة، من بينها إصدار قانون يحمي هذا الحاجز ويمنع مرور السيارات منه ويحرم البناء عليه، خاصة المناطق الضعيفة فيه والتي حددتها السلطات المختصة بـ11 منطقة، والتخطيط لرفع مستوى الحاجز الرملي مترين إلى ثلاثة أمتار خلال سنة، لأنه يمثل الوقاية الوحيدة من الفيضانات، إضافة إلى إقرار خطة شاملة لاستصلاح الشاطئ عمومًا.
وتقول السلطات الموريتانية إن خطر تعرض العاصمة وحاجزها الرملي لفيضان بحري سيبقى واردًا إذا توفرت ثلاثة عوامل في نفس الوقت وهي أن يكون البحر في حالة مد، واتجاه الرياح غربية إلى شرقية، وأن يتزامن ذلك مع الفترة التي يكون فيها القمر والشمس عموديين نحو البحر، بينما يقول خبراء إن مياه المحيط لن تغمر نواكشوط وحدها بل ستتجاوزها لنحو 150 كلم شرقَا.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد ناشد المجتمع الدولي في أثناء انعقاد قمة كوبنهاغن للمناخ 2009 بتقديم مساعدات ضرورية لتفادي غرق عاصمة بلاده، معلنًا – لأول مرة من طرف رئيس للبلاد – أنها مهددة تهديدًا جديًا بالغرق بسبب وقوعها تحت مستوى سطح البحر.
وفي سنة 2011 كلفت الحكومة الموريتانية شركة هولندية بإعداد دراسة عن التأثيرات البيئية على العاصمة، وخلصت الدراسة إلى أن عددًا من أحياء المدينة ستغرق نهائيًا بحلول 2020، وحذرت من غرقها بشكل كامل سنة 2050 إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات للحد من ارتفاع منسوب المياه وتشييد حاجز بينها وبين المحيط.
عاصمة الماء
بناء على دراسات معتمدة قدمت العديد من الأدلة على الخطر المحدق في العاصمة، تنتشر المستنقعات والبرك في مناطق واسعة من مدينة نواكشوط بسبب غياب قنوات الصرف الصحي وانخفاض المدينة عن سطح البحر، ما جعل الكثير من الخبراء يدقون ناقوس الخطر محذرين من إمكانية غرق العاصمة الموريتانية.
تواجه العاصمة الموريتانية نواكشوط خطر الغرق والاختفاء بسبب التغيرات المناخية وهشاشة الشاطئ وانخفاض مستوى المدينة عن سطح البحر، وتشير دراسات حديثة إلى خطر أن تغمر مياه البحر ما يقرب من 80% من مساحة العاصمة في أفق 2020، فيما تتوقع تقديرات أخرى اختفاء هذه العاصمة تمامًا بحلول عام 2050، وهو ما أصبح يشكل كابوسًا يقلق راحة السكان الذين ظلوا يطالبون الحكومة بالبحث عن الحلول الملائمة قبل الكارثة.
ويحذر خبراء من أن نواكشوط باتت مهددة بأن تغمرها مياه الأمطار الموسمية في ظل أزمة الصرف الصحي وقرب المياه الجوفية من سطح الأرض وأنابيب المياه القادمة إليها من نهر السنغال، ويقول هؤلاء “نواكشوط ستشهد موجة من الأمطار غير الاعتيادية في السنوات المقبلة، وهو ما ينذر بخطر غرقها كليًّا بحلول عام 2020”.
عند تسليط الضوء على موريتانيا نجد أنها صنفت ضمن الدول العشرة الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، ولذلك فإن العاصمة الموريتانية نواكشوط تواجه خطر الغرق على نحو مطرد
وتقع نواكشوط في مستوى منخفض عن سطح البحر ولا يفصلها عن المحيط سوى تلال ومرتفعات صخرية قليلة بسبب عوامل التعرية واستنزاف الحزام الرملي، وزادت مشكلة تسرب المياه تحت الأرض بسبب عدم وجود شبكة الصرف الصحي ووجود مياه جوفية مالحة، من خطورة الوضع حيث أصبحت التربة مشبعة بالمياه فصارت بعض أحياء العاصمة الموريتانية غير صالحة للبناء.
ويؤكد علماء البيئة أنه مع استمرار انتهاك الحاجز الرملي وزحف المياه والاحتباس الحراري، يكون احتمال غمر نواكشوط بالمياه واردًا جدًا، خصوصًا عندما تتعامد الشمس والقمر على البحر، ووجود مد بحري وهبوب رياح غربية إلى شرقية.
ومن أكثر المناطق عرضة للغرق، المناطق المنخفضة القريبة من البحر خصوصًا مقاطعتي الميناء والسبخة اللتين ستصبحان غير قابلتين للسكن، وحسب الدراسات ستتضرر مقاطعات تفرغ زينه والرياض ودار النعيم بشكل كبير، بينما ستكون مقاطعات عرفات وتوجنين وتيارت الأقل تضررًا لوجودها على مرتفع.
وضع كارثي
تفتقد العاصمة نواكشوط إلى وجود شبكة صرف صحي مما جعلها مهددة بالغرق في كل موسم أمطار، ورغم وضع حجر الأساس لبناء شبكة صرف صحي مطلع عام 2015 فإن الأشغال لم تبدأ بعد.
وغياب شبكة الصرف الصحي يفتح المجال واسعًا أمام مجاري الصرف الصحي المنزلية التقليدية التي يشيدها سكان العاصمة بشكل عشوائي، ويتمثل خطر هذه المجاري في قربها عادة من أنابيب مياه الشرب الأمر الذي يؤدي إلى تسرب الجراثيم والميكروبات الضارة إلى شبكة المياه بعد نزول المطر.
ويقوم مكتب الصرف الصحي في العاصمة بجهود بدائية لمواجهة هذا الوضع الكارثي في كل سنة، تتمثل هذه الجهود في تحريك العشرات من الشاحنات لشفط المياه عن الشوارع الرئيسية، إلا أن سكان العاصمة يؤكدون أن تلك الجهود غير كافية.
وقالت صحيفة الغارديان إن نواكشوط لا توجد بها أنابيب لتصريف المياه، فيما تقع معظم أجزاء المدينة عند مستوى سطح البحر أو تحته ولا يحميها من أمواج المحيط سوى كثبان متآكلة، وأشارت الصحيفة إلى أن دراسات محلية ودولية حذرت في العقد الماضي من مغبة ابتلاع المحيط للعاصمة.
تفتقد العاصمة نواكشوط إلى وجود شبكة صرف صحي مما جعلها مهددة بالغرق في كل موسم أمطار
ويجعل عدم وجود شبكة للصرف الصحي تربة نواكشوط مشبعة بالمياه، وضخ مياه الصرف في الأرض يؤدي إلى تآكل القشرة الجبسية الفاصلة بين التربة وبحيرات المياه الجوفية في الأعماق، ومع مرور الزمن يؤدي هذا الوضع إلى خروج المياه إلى سطح الأرض.
ويؤثر هذا الوضع على مقاومة المدينة للمد البحري المتوقع حيث البنايات ضعيفة بسبب التربة المشبعة بالمياه العذبة ومياه البحر وبقايا الفضلات البشرية، وتؤدي صعوبة امتصاص مياه الأمطار وتجمعها في المناطق الأكثر انخفاضًا إلى تراكم البرك المائية وتشكل طبقة ملحية تسبب انهيار البنايات، ويعلل الخبراء غمر العاصمة نواكشوط بالمياه بفعل تزايد السكان إلى نحو 800 ألف نسمة والتساقطات المطرية السنوية المعتبرة، إضافة إلى مياه الشرب التي تضخ عبر الأنابيب من السنغال.
مخاوف وحلول
يقول الباحث في مجال البيئة محمد عالي ولد صيبوط لصحيفة “العرب” اللندنية: “أصبح البحر مصدر خوف وقلق في نواكشوط بعدما كان مصدر ثراء وسعادة، فموارد الصيد التي تمثل أكثر من 12.5% من الناتج الداخلي الخام وتعيل أعدادًا هائلة من الصيادين التقليديين، لم تعد تشكل أهمية بالنسبة للموريتانيين بسبب خوفهم من زوال العاصمة أو تضررها من تأثيرات التغيرات المناخية، وخير دليل على ذلك اختفاء المصطافين من الشاطئ وقلة المتنزهين على ضفافه.
ويشير إلى أن سبب ذلك هو تشييد العاصمة نواكشوط عام 1957 في منطقة صحراوية منخفضة تطل على المحيط الأطلسي، وبفعل عوامل التعرية واستنزاف الكثبان الرملية لغرض البناء تضاعف خطر أن تغمرها مياه المحيط، وتقاعست السلطات عن تنفيذ توصيات الدراسات التي أجريت في هذا المجال، حتى أصبحت العاصمة الآن معرضة لتهديد جدي بالغمر البحري يتضاعف سنة بعد أخرى.
ويرى الباحث أن الحل يكمن في تأسيس شبكة للصرف الصحي وتقوية الحاجز الرملي ومنع استغلاله والاهتمام بالدراسات العلمية والمؤشرات البيئية واتخاذ إجراءات فور ظهور نذر الكارثة كترحيل السكان نحو مناطق أكثر أمنًا.
تقول السلطات الموريتانية إن خطر تعرض العاصمة وحاجزها الرملي لفيضان بحري سيبقى واردًا إذا توفرت ثلاثة عوامل في نفس الوقت وهي أن يكون البحر في حالة مد، واتجاه الرياح غربية إلى شرقية، وأن يتزامن ذلك مع الفترة التي يكون فيها القمر والشمس عموديين نحو البحر
ويرى باحثون في مجال البيئة، أن احتمال غمر نواكشوط بالمياه وارد جدًا إذا استمر المسؤولون في تجاهل هذا الخطر مع استمرار تأثير عوامل مناخية كالاحتباس الحراري وتقلص الحاجز الرملي، ويشيرون إلى أن صور الأقمار الصناعية تظهر أن ساحل مدينة نواكشوط تعرض خلال فترات زمنية مختلفة لعوامل التعرية مما أدى إلى اختفاء الحاجز الرملي من بعض المناطق وردم كبير للشواطئ.
وبدورها تؤكد وزارة البيئة الموريتانية أن برنامج حماية نواكشوط من المد البحري وزحف الرمال، يواصل تشجير الآلاف من الهكتارات، لكن رغم هذا الجهد المبذول من قبل الحكومة هناك مخاطر ما زالت تهدد العاصمة الموريتانية، إذ إنه بحسب دراسات علمية عديدة تبدو العاصمة الموريتانية نواكشوط مهددة بالاختفاء في غضون السنوات القادمة.
ما هي نواكشوط؟
وبعد ما ذكر أعلاه عن التهديدات البيئية التي تلاحق العاصمة الموريتانية نواكشوط، فلا بد من معرفة المدينة عن قرب، فهي أكبر وأهم مدينة في موريتانيا على الإطلاق وتقع في أقصى الغرب على المحيط الأطلسي، حيث ترتبط ببقية أرجاء البلاد بطرق برية أهمها طريق الأمل الذي يصلها بالوسط والشرق، ويمتد حتى مدينة النعمة قرب الحدود الشرقية مع مالي على مسافة تزيد على 1200 كيلومتر.
يسكنها نحو مليون نسمة أي ربع سكان البلاد تقريبًا، وتنقسم إداريًا إلى تسع مقاطعات هي “تفرغ زينة” الأحدث والأفضل من الناحية العمرانية، و”لكصر” الأقدم من بين أحياء العاصمة، وعرفات الأكثر كثافة سكانية، و”تيارت”، و”السبخة”، و”الميناء”، و”الرياض”، “وتوجنين”، و”دار النعيم”.
ويعود تأسيسها إلى أواخر خمسينيات القرن العشرين حين اختارها الآباء المؤسسون لموريتانيا الحديثة عاصمة للدولة الوليدة، ولم تكن قبل ذلك سوى قرية ريفية متواضعة تقطنها بعض القبائل التي استوطنت المنطقة من قديم الزمان.
وعقدت أول حكومة موريتانية في ظل الاحتلال الفرنسي أول اجتماع لها في نواكشوط بتاريخ 12 من يوليو 1957 تحت خيمة بسيطة في بلدة لكصر، وتم في 24 من الشهر نفسه إصدار مرسوم يقضي بنقل عاصمة الإقليم الموريتاني من مدينة سان لويس بالسنغال إلى نواكشوط التي لم تكن يومها سوى قرية صغيرة يقطنها ما بين 200 و300 نسمة.
ووضع المختار ولد داداه – أول رئيس للبلاد – والرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول حجر الأساس للعاصمة في 5 من مارس 1958 لتتحول نواكشوط سريعًا من قرية صغيرة وسط صحراء موحشة، وتفتقر لمياه جوفية صالحة للشرب، وتعاني نقصًا حادًا في مياه الأمطار، إلى أهم مدينة في موريتانيا.
وتسبب الجفاف الذي ضرب أجزاء واسعة من موريتانيا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين في هجرات جماعية من الأرياف إلى العاصمة الوليدة، بعد أن فقد الناس مصادر الحياة الأساسية في بواديهم وأريافهم، ليتضاعف سكان نواكشوط بشكل غير متوقع.
ونتيجة لتلك الهجرات انتشرت المساكن العشوائية وأحياء الصفيح في كل جوانب العاصمة، وتفاقمت مظاهر الفقر والعوز بين السكان، وتضاءلت الخدمات الحكومية المقدمة للسكان