دقة - حياد - موضوعية

ولد الكوري: الوضعية التي ترزح تحتها البلاد تقتضي عدم إكمال عزيز لمأموريته لا تمديدها

2016-10-19 02:44:11

في زاوية “سؤال جوال” وجهت تقدمي سؤالاً للأمين العام لحزب التناوب الديقراطي “إيناد” سيدي ولد الكوري بخصوص الحوار المنعقد بين أنصار نظام ولد عبد العزيز و بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة هل يمكنه أن يخرج موريتانيا من أزمتها.. فكان جوابه كالتالي:

.

إن النظام الذي يسعى اليوم إلى تعديل الدستور نظام غير شرعي، لأنه نظام استمر في السلطة بقيامه بانقلابات أربع: انقلابه على السلطة المدنية المنتخبة من طرف الشعب الموريتاني في انتخابات شهد الجميع بشفافيتها و نزاهتها، وهو نظام سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.. ثم انقلابه على اتفاق دكار الذي جمع الأطراف السياسية، فتم الانقلاب عليه من طرف نظام ولد عبد العزيز حيث لم يطبق منه إلا البند المتعلق بتنظيم الانتخابات الرئاسية، و الالتفاف على البنود الأخرى، أما الانقلاب الثالث فهو الانقلاب الذي قام به النظام على إرادة الشعب حين زوّر رئاسيات ٢٠١٤، حيث استخدم رجال القبائل و رجال الدين و مؤسسات الدولة و أموالها من أجل الاستمرار في السطة، و قام بإقصاء المعارضة من المشاركة فيها، بعدم توفيره قواعد اللعبة المتعارف عليها، بما يضمن خوضها بشفافية و نزاهة. أما الانتخاب الرابع فهو ما يسعى إليه اليوم من انقلاب على الدستور، و هو أخطرها، وذلك من أجل الهيمنة على السلطة و دسترة الاستبداد.

الدستور تم وضعه من طرف المؤسسة العسكرية التي كانت تحكم البلاد من خلال المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية، وقد سعت من خلاله لتحديد مأموريات الرئاسة، و أغلقتها، و ذلك لضرورة الانتقال من نظام عسكري شمولي إلى نظام مدني جمهوري.. و يبدو أن المؤسسة العسكرية تعود من جديد بشكل فاضح و مكشوف لفتح عدد المأموريات و مواصلة الحكم إما بالرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز من خلال تشريع مأمورية ثالثة له، أو بطريقة أخرى يقتصر فيها التداول على السلطة على العسكر. لهذا يمكننا الجزم بأننا أمام دستور يتم تصميمه لصالح هذه المؤسسة العسكرية، و لصالح هذ النظام، و لسنا أمام دستور لصالح الشعب الموريتاني، و هذا ما جعلنا في المعارضة نرفضه و نعتبره فصلا جديدا من تزوير إرادة الشعب. و لا فرق عندنا بين استمرار ولد عبد العزيز في السلطة أو استمرار غيره  من نظامه فيها.. هذه القضية تؤكد أن شكوك المعارضة بخصوص نية العسكر الاستمرار في الحكم كانت في محلها، وهو أمر مرفوض.

نحن اليوم لسنا بحاجة إلى دستور جديد و إنما نحتاج الى تطبيق الدستور القائم.. فمشكلة موريتانيا ليست في النصوص و القوانين و إنما في تطبيقها و احترامها. الدستور القائم هو دستور مكتمل، و قد نص على استقلالية القضاء و رغم ذلك فالقضاء مسيس، و الدليل على ذلك هو الأحكام التي صدرت مؤخرا في حق النشطاء الشباب و الحقوقيين، و التي كانت مجحفة وقد اِثبتت أن القضاء إنما هو تابع للسلطة التنفيذية. و يكرس الدستور الحالي الحريات أيضا و ينص على الحقوق العامة للمجتمع، مع ذلك فالحريات اليوم تشهد انتهاكات صارخة و تراجعاً ملحوظاً، لم يسجل مثيله في السابق.. الدستور الحالي ينص على التداول السلمي على السلطة، و النظام يحاول اليوم التمديد و أغلاق آخر أبواب التناوب السلمي، من خلال التمديد للرئيس الحالي بهده الطريقة الفجة و الخطيرة. الدستور الحالي ينص على الفصل بين السلطات و على أن الشعب هو المصدر لكل السلطات، و رغم ذلك فالإرادة الشعبية مزورة في كل الانتخابات السابقة. الدستور ينص كذلك على أن القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة الشعب، و الحال أن القوانين منتهكة، و الجميع يشهد على ذلك.. و الدستور الحالي ينص على حرية التعبير و الحريات منتهكة.. و هكذا أيضا ينص الدستور على أنه يحق لكافة الموريتانيين تقلد الوظائف و المناصب في الوظيفة العمومية و نحن اليوم نشهد إقصاء أطر المعارضة من كافة الوظائف داخل الدولة. إذن المشكلة ليست مشكلة في الدستور و إنما في احترامه، و العمل بكل قوانين الجمهورية، و هذا نظام يعرف بأنه لا يقيم وزناً للقانون و لا للدستور.

المسرحية العبثية التي تجري هذه الأيام في قصر المؤتمرات، و التي لا يمكن أن توصف بحال من الأحوال بأنها “حوار” واضحة الأهداف من خلال تصريحات المشاركين فيها، فهنالك تمجيد للنظام، و دعوة للمأمورية الثالثة، و مطالبة برئاسة مدى الحياة، و اقتراحات بتنصيب ولد عبد العزيز ملكاً، و كأنهم كلفوا من طرف النظام بلعب هذه الأدوار.. إنهم يتبارون في التصفيق و التملق، و كان كل شيء حاضرا في هذا الحوار  سوى هموم المواطن الموريتاني الذي يعاني من العطش و الفقر و البطالة و ارتفاع الأسعار و المرض.. كل حقائق هذا المواطن الموريتاني بقيت خارج القاعة.

البعض في أحزاب الأغلبية يقول إن الظروف الحالية تقتضي استمرار محمد ولد عبد العزيز في السلطة، و الحقيقة أنه بالنظر إلى الظروف الحالية  الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية  في البلاد، فإنه ليس على ولد عبد العزيز أن يكمل مأموريته الحالية فضلاً أن يضيف عليها مأمورية أخرى، فقد عبث بالثروات المعدنية و نهب الموارد المالية، و زور المناقصات و منح صفقات بالتراضي دون حساب.. هذا النظام الذي مارس فساداً غير مسبوق لا يمكن التمديد له.

في الأخير أود أن أشير أن ما يحدث الآن هو محاولة الانقلاب على وثيقة تمت من خلالها دسترة الحياة السياسية و الاجتماعية للبلاد، و كانت ثمرة الكثير من النضال و النقاش و التعديلات.. أما الدستور القادم فدستور على مقاس السلطة الحالية لا يمكنه أن يكون وثيقة تمثل الإرادة الشعبية.. و هكذا غابت  قضايا الوطن و المواطن عن قصر المؤتمرات كما غابت المعارضة الجادة بكافة أطيافها الايديولوجية و الفكرية و غابت كذلك الشخصيات الوازنة لأنها رفضت ببساطة أن تكون جزءا من هذا الديكور العبثي الذي صممه النظام على مقاسه، و الذي يريد من خلاله الاستمرار في الحكم للأبد.

المعارضة غابت لأنها رفضت أن تكون جزء من هذا المشهد المزيف الذي يسوقه للنظام للداخل و الخارج متوخيا منه بعث صور بأن هنالك حوارا  و تفاهماً يجلس أصحابه على طاولة النقاش، و الحال أن الوثائق التي سيتم اعتمادها تعد من خارج القاعة، فالحاضر لهذا الحوار لا يستشار في أي أمر من أموره.. النظام  يتجه لارتكاب جريمة بكل المقاييس هي العبث بالدستور.ت

تقدمي

تابعونا على الشبكات الاجتماعية