دقة - حياد - موضوعية

كلام ساخن عن قمة الأمل ونحيب المشككين وبكاء طفل بشاطئ الفرات

2016-07-22 01:10:45

ليس انعقاد القمة العربية بانواكشوط تحديا مخيفا، إذ يترقب الكل أن ينقشع عن كوارث دبلوماسية قاصمة وأن ينكشف إبانه الوجه الحقيقي لموريتانيا المتخلفة. ولا أعتقد أن النقاش الحقيقي يجب أن يدور هنا، حول ما يبدو تعبيرا جماعيا عن عقدة نقص، مردها جهل كثير من الشناقطة بكفاءاتهم الذاتية وميلهم إلى استجداء رضا الأقران عنهم، دولا وشعوبا، وطلب مباركة الغير، صحافة ومحللين، للتميز الطفيف الذي يفرد الموريتاني، لونا، وزيا ولسانا، في محافل الأمة ولقاءات العرق العربي

.

.كذلك، يغيب عن الأذهان أن الفقر التليد ويسير الإختلاف الشكلي عاملين جانبين، لا وزن لهما يذكر، من المنظور الدبلوماسي على الأقل، في تحديد الثقل الفعلي الذي تقرر دولة ما أن تتميز به ولا في الأريحية التعاملية التي يمارسها الشعب أو ساسته في التعاطي مع أطراف في جعبتها قدر من التألق التاريخي أو تلوح بمظاهر نسبية من النفوذ والتمكن.

 

وقبل أن استرسل في الموضوع، أود الظفر بعفوكم الكريم، فالتحليل الوارد أعلاه ذو مطلقية صرفة ولكل أن يسقطه، في هذا المقام أو غيره، على ما يطابقه من أحداث؛ فقد لجأت إليه، مكرها وبطلا، لضرورة تبيين زيف الإحساس بالدونية لدى النخب الموريتانية، خصوصا إذا تعلق الأمر بمطاولة ذوي الطول أو بالوقوف هنيهة تحت الأضواء.

وعلى الأقل من الناحية السيكولوجية، على غرار الوزير والكاتب بيرفيت، في كتابه "المرض الفرنسي"، أظنني تجاسرت بالغوص في أعماق النفس المجتمعية، وهي مجازفة لها ثمن يدفعه ذو الرأي المتهور ولكنها، رغم ذلك، توقظ جانبا خاملا من كل ضمير وتستدر عملا لا غنى عنه من محاسبة الوجدان وتحيين النظرة إلى الذات.

 

إن الجميع متفق على أن موريتانيا دولة راشدة، لها أن تطمح إلى كل المعالي ولها أن تروم، مثل الدول العظمى "والأمم السليمة"، مراتب التميز ومواطن الريادة. وفي هذا السياق بالخصوص يحتدم الجدل المحلي حول قدرتها على تنظيم قمة الدول العربية السابعة والعشرين.

أعتقد أن اهتمام وسائل الإعلام بالحدث له مبرراته الوجيهة ولست أمانع في إدراجه ضمن لائحة النجاحات السياسية لرئيس الجمهورية، بشرط أن يتم تجاوز الأمر إلى تعامل ديناميكي مع متطلبات الظرف وتكريس فعلي لمصلحة موريتانيا وصون عرضها وصقل سمعتها.

ولكن يبقى من الملفت للانتباه أن يخيم ظل هذا الحدث على النفوس ويربك الآراء ويوقع بلبلة عارمة تهز كواليس الإدارة وتغشي صميم المنشآت. إن نفسي تغلبني بالتماس جميل المخرج لبلدي الغالي وحكومته الفذة وأنجر إلى تصنيف ما يجري من اضطراب على أنه مظهر طبيعي من مظاهر القلق الوطني الإيجابي. وإذا كان الأمر كذلك، وبوادر الحزم السائد تدعم هذا الحدس، فإن موريتانيا تضبط فعلا أعصابها ولا يروعها أن تكون قاب قوسين من استضافة بضع عشرة رئيس دولة وملك بصولجان؛ فهي، إذ تتأهب لهذا الملتقى، تواجه تحديا لم تتعود على مثله في تاريخها البروتوكولي ولا في سجل مضيافيتها المعروفة.

لكنني أود أن أسأل عن حقيقة هذا التحدي؛ وعن أبعاده الملموسة؟ أظن أن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي استعراضا وجيزا لجملة من النقاط الأساسية.

 

  1. رهان التنظيم: زخم مفزع لحدث روتيني

إن القمة العربية بشكل مبسط عبارة عن ملتقى دوري مهيب تحضره، في آن واحد، وفود الدول العربية ويجتمع إبانه، في قاعات مهيأة، الرؤساء والملوك، فيتحدثون فيما بينهم، بتشنج أحيانا وبلباقة أحايين أخرى، ثم يصدرون بيانا ختاميا تعقبه عودتهم، واحدا تلو الآخر، في ظرف يومين على الأكثر، إلى بلدانهم المختلفة.

لاشك أنكم أدركتم للتو أن الحدث ينتهي بسرعة فائقة وبما أن النصر صبر ساعة فما على الدولة الموريتانية إلا شد الحزام وتجنيد الوسائل لأربع وعشرين ساعة استثنائية. زد على ذلك أن البلد المنظم، رغم الضغط الآني الذي ينبثق عن مسؤوليته، لا يكلف عمليا ولا حتى معنويا، بمهمة زائدة في توحيد رأي الضيوف كما لا يتحمل دبلوماسيا، ولا حتى أخلاقيا، الفشل الناجم عن تنافرهم السياسي ولا عبء خلافاتهم التقليدية.

لذلك، ينظر عادة إلى نجاح القمة من زاويتين مختلفتين، إحداهما تسلط الضوء على الجانب الدبلوماسي والحكوماتي وتصوب حكمها إلى قدرة المجتمعين على رفع التحدي فتنتقد، أو تمجد، أدائهم وتعاملهم مع المواضيع المتناولة. أما الزاوية الأخرى فهي تقنية ولوجيستية بحتة، يحكم من خلالها على إمكانات الدولة المستضيفة وطبيعة وسائلها المعبئة ولباقة شعبها وسحر مناخها وما تولده لدى الزائر من رغبة في العودة إليها.

قد يقول قائل إن البنى التحتية الوطنية لا يمكن مقارنتها بما وصلت إليه بعض دول الخليج وشمال إفريقيا، وهو مصيب في رأيه، إلا أن القمة، رغم أولية الفندقة ووسائل الراحة، ليست سباقا سياحيا ولا موسما لإنتحال التطور الزائف. ومن هذا المنطلق، لن تعجز موريتانيا عن استيعاب بضع مئات من الزوار، ستمتلئ بصخبهم ردهات الفنادق وسيستمتعون بلفح يوليو الجميل وسيحتكون بثقافة عربية تشد قبضتها على مقومات البداوة الفظه وتسعد بالإنتماء إلى هيكل كبير، كبير جدا، لا يجمعه سوى حرف الضاد

 

  1. صخب صبياني حول تحديات الاستضافة

هو فعلا صخب صبياني! ولا داعي لتكرار ما عددته آنفا من التزامات تقنية وتحضيرات لوجيستية، تكاد تكون جوهر المهمة التنظيمية المسندة لموريتانيا. وعلى أية حال، يبدو أن الدولة قد حصلت على تمويلات كافية لتحسين البنى التحتية وأن طوالع ميمونه، كجاهزية المطار وتجديد الطرق وتلميع قصر المؤتمرات وضبط مقرات الوفود، باتت توحي بتمكن شامل من تسيير العملية وترتيب محكم لمختلف جوانبها. لكن، من أجل إلقاء الضوء على الشك المبهم لدى البعض، بخصوص إنجاح قمة انواكشوط، لا بد من إثارة عدد من الإشكالات واستعراض نقاط أضحت تثير في ذهن المواطن العادي توجسا هوسيا لأكبر عثرة دبلوماسية في تاريخ البلاد.

 

  • الجبهة الداخلية: أي تأثير على مجريات القمة ؟

لا أرى أن انعقاد القمة يرتبط كثيرا بالاختلافات السياسية المحلية ولا أجد البتتة منفذا لسهام المعارضة التقليدية، إذا قدر لها أن تسعى إلى إحراج رئيس الجمهورية بحضرة ضيوفه العرب. وفي كل الظروف، لا يحظى زعماء الأحزاب المعارضة بمسوغ عقلاني يبرر عملهم على "إفشال" القمة ولن يقطفوا، إن راقت لهم الفكرة ورامو تطبيقها، كثير ثمار سياسية ولا كبير سمعة شخصية. فلا هم في الأصل جزء رسمي من الشمل العربي الملتم ولن يكونوا، إن حظوا بزيارة بعض السادة الضيوف، إلا سعاة مجد فردي، يشكون بثهم لمن لا يرحمهم ويعرضون أنفسهم في محفل تنصرف وجوه رواده إلى كرم رئيس الجمهورية وإلى حسن ضيافته. كذلك، من الناحية العملية، لن تخلو أية مناوئة سياسية للقمة من طابع فوضوي مجرّم، لعدم تناولها أصلا قضايا داخلية ولما تحمله البلبلة، في ظرف كهذا ، من إضرار بسيادة الدولة واستهتار بهيبتها. لكن هذا لا ينفي السماح المبدئي بالتظاهر السياسي السلمي، باعتباره، إن لزم حدود القانون، مفخرة فعلية لموريتانيا وسبقا محمودا على جميع الديمقراطيات العربية.

من جهة أخرى، يجب أن يتفطن الجميع إلى حقيقة خطيرة تتعلق، لدى بعضهم، بالمزج الغبي بين شخص الرئيس وكيان الدولة، فيجيزون إذ ذاك ذبح المصلحة العامة وتلطيخ السيادة من أجل مناورة تافهة أو نيل بسيط من سمعة زعيم الأغلبية. مثل هذا السلوك تمجه الديمقراطيات المتقدمة ويمقته الذوق المواطني وتعاقبه قوانين الدنيا

 

  •  تحديات مستوى المشاركة: أي ذنب على موريتانيا ؟

لا شك أن رفع مستوى المشاركة، بحضور أغلب الساسة، سيضفي على القمة مزيدا من التميز لكننا ندرك أن الأمر يبقى تبعا للقضايا المثارة في الدورة وتؤثر فيه الظروف الداخلية للدول المشاركة. وقد يكون من الوارد أن لا يرتفع التمثيل إلى أعلى مستوياته بالنسبة للعراق (لاستفحال الظروف الأمنية) والجزائر (لعجز الرئيس) وسوريا (لاستمرار الحرب) والمغرب (لفتور العلاقة مع موريتانيا).

وقد يغيب ساسة آخرون لظروف خاصة لكن هذه القمة، رغم ما تمثله من تحد لموريتانيا، تبقى دورة عادية يحول حولها في مناخ الروتين العربي فلا تستدعي، بصورة استثنائية، حضور أكابر أولي الأمر ولا مجيء الساسة الأول.

إن إدراك هذه الحقيقة، ولا أظن أن ذوي النوايا السيئة سيلتزمون بذلك، يكفي لعدم تحميل موريتانيا ما قد يحدث من تدن في مستوى تمثيل المشاركين كما يليق بنا، في كل الأحوال، أن نكف عن إسباغ تشاؤم تلقائي على الحدث، تجسيدا لموقف مسبق من أهلية موريتانيا لمراكز الريادة في التظاهرات الكبيرة.  

 

  •  مسألة تأمين الوفود: ملاذ المشككين وبؤرة المخاوف

إن موريتانيا، ولله الحمد، دولة آمنة تنأى بجانبها عن إذكاء التطرف إذ توفر، بنمط سياستها المفتوحة وتسامحها الفكري، ضمانات نفيسة بعدم خنق الحريات. كما تتميز بوسطية تيولوجية تجعلها في شبه حياد من الحرب الضروس بين علمانيات الدنيا والحكومات الإسلامية من جهة ورواد الفكر التكفيري وغلاة الدين من جهة أخرى. كذلك، تتمتع موريتانيا بكل الوسائل التي تمكنها، على الأقل، من تأمين مطارها وإحلال الهدوء في بضع نقاط من عاصمتها، لمدة ثمان وأربعين ساعة.

وفي جميع الحالات، لا يجب أن ننسى أن كثيرا من القمم العربية الماضية عقدت في ظروف استثنائية آلت فيها حروب التطرف إلى ذروتها ولم تسجل رغم ذلك عمليات إغتيال لقادة بلدان ولا حتى محاولتها. زد على ذلك أن الإرهاب، إلا في حالات نادرة، يطفو فقط عند غياب التأهب الأمني وأن إعمال مخططات التفحير مثلا يبقى مجازفة معقدة، لا تقع عموما إلا خارج المناطق المحروسة، عند سبات السلطة وفي معمعان الأسواق أو في المرائيب العامة أو خلسة، لجبن المفخخين، في أماكن الإزدحام البريئة. وعلى العموم، يظل من المستبعد جدا أن تجازف جهة ما، لتعسر الأمر ولعدم مردوديته السياسية، بمهاجمة موكب رسمي على أرض بلد سلمت يداه من ذنوب ضيوفه، إن وجدت أصلا، وبرئت ذمته، على مر السنين، من أوزار النزاعات الدينية العربية ومن دماء المتطرفين في مشرق الأرض ومغربها.

إن تنظيم هذه القمة يعد مكسبا دبلوماسيا حقيقيا وموسم تلميع لصورة البلد، كما أنه، إن تم استغلال صيته وتسخيره لسمعة جديدة، سيفتح الباب أمام بناء تصورات مثلى لاندماج مشرف في الصف العربي ولاستدراك ما فوتته سنون عجاف من التراخي الدبلوماسي والردم الممنهج للسيادة والوأد الإجرامي للمقومات الوطنية.

من هذا المنطلق، يجدر بنا أن ينظر إلى الحدث بعين متفائلة وأن نركن إلى كنف الطمأنينة الحقة، مسلمين الأمر لله ومنشرحة صدورنا لوابل قرب أن يمطرنا ولأوقات خالدة لم يتسن لتاريخنا، منذ أن كنا، أن يهدينا مثلها.

 

  • الإعلام الترحيبي: عرض الابداعات تحت رداء الحياء     

يمكن أن نقول، على الأقل من باب التندر، أننا بحاجة لأن نعيد كتابة إسمنا وأن نستدرك سمعة بالية، عاث التجار الفاسدون برونقها وحط منها شعر ركيك متكلف، لا هو يعلو فينافس ولا هو يضمحل فيعدوه لسان المنتقدين.

فلا فائدة هنا من نقاش الشعر الفصيح الموريتاني الذي ينمو في القاع ويتكاثر ولا يكاد يطفو منه إلا البيت أو البيتان. وربما نكون قد أوتينا من قبله في الماضي ولسوف يأخذ علينا، في هذه القمة بالذات، الإفراط في قرضه والتباهي به على من أورثونا عشقه وأمدونا بحسن تذوقه.

وسواء نظمنا القصائد أو أجزلنا الخطب، فسيكون مجرد انقضاء القمة منذرا باستعادة رشد وطني كان مفقودا وستنضاف بموجبه عناصر ثمينة إلى أسارير سمعة البلاد. وسيدل في جميع الأحوال على تماسك الإدارة الموريتانية وتناغم أدائها، وعلى تغلغل المعلومة، بشكل فعال، إلى أقصى أجهزة الدولة وهياكل النظام. ولا شك أن هذا الانطباع سيولد احتراما في نفوس الغير وسيحفز على التقرب من بلد بات يرقى إلى المصاف العليا للأمم ويجد لنفسه مكانا لائقا بين الدول المرموقة والبلدان العريقة.

 

  1. الثمار المعنوية للقمة: رونق دبلوماسي وتألق محفلي

لقد كسبت موريتانيا، فقط من إطلاق عمليات التحضير للقمة، مصداقية دبلوماسية إضافية وبرزت على الواجهة، والجة إلى الأضواء، نافضة عنها غبار الاستكانة ونازعة جلباب الخمول. ولا يخفى على أحد أن تنظيم مثل هذه التظاهرة سيمكن من نسج صداقات وأواصر ود جانبية، تتداخل خيوطها وتقوى بنيتها إن تم تعاهدها بالتعقل ورويت بماء الحكمه. وبطبيعة الحال، نحن نعلم أن الدوائر العليا يترتب البقاء فيها أو الانتماء الحميم إليها على توفر فرصة الدخول إليها أولا من الباب الحقيقي، وهي السانحة التي تغمر موريتانيا هذه الأيام والتي يعول الجميع على قطف ثمارها والتوكؤ عليها لبلوغ مراتب أعلى في المحفل الدولي. وقد يتوهم البعض أن العلاقة بين الدول خلو من الاعتبارات المظهرية ومن مفعول بعض الرموز إلا أن الأمر على خلاف ذلك تماما. فالنجاحات الآنية والخرجات الممتازة والتألق المحفلي آليات تصقل السمعة وتترك انطباعا عميقا لدى الحكومات والشركاء والمتتبعين للشأن السياسي.

ويعلم الجميع أن المكاسب السياسية قليلا ما تذهب سدى إذ ينجم عنها احتجاز طبيعي للبلد المتألق في دائرة الضوء وإخضاعه، بشكل تلقائي، لوتيرة من النشاط على قدر علوه. ومن ثمار الولوج إلى الدوائر العليا أن يتم توجيه البلد، بحكم تموقعه المرتفع، إلى آفاق طموح جديدة وإغراقه في غمرة جامحة من الوعي بالذات والشعور بالثقة في لإمكانات والجرأة البناءة على ممارسة الريادة. إن موريتانيا، مع بعض الانضباط الدبلوماسي، ستكون على موعد مع إعادة الأبهة السياسية المفتقدة منذ بداية السبعينات وبوسعها أن تستغل تواجدها "في قلب الأمة العربية" للعب دور أفضل في منطقة الساحل، مستندة في ذلك إلى صداقاتها من العرب وقوتها بالإنتماء، فعلا، إلى كيان ذي وزن وذي نفوذ.

 

  1. قمة انواكشوط: لقاء حميم مع الممولين

إذا كنت ممن يحبذون الاستفاضة في حديث المصلحة وفي أغنية الربح والخسارة النقدية، فحيهلا لنسلط الضوء على الفوائد المنتظرة من القمة وما يعول عليه، على إثرها، من مكاسب عامة ونجاحات ملموسة.

 يجب أن لا ننسى أن العاصمة، لأول مرة في تاريخها، تشهد بشكل متزامن إصلاح الطرقات والأرصفة والإنارة العامة وتزيين الشرفات وكنس المسحات والشوارع وتهيئة الفنادق وتعبئة دؤوبة لكل وسائل الأشغال العامة في الدولة.

وإن لم يكن للقمة من مكسب غير هذا فإنها لجد مثمرة وإن أثرها الملموس، على وجه العاصمة، لمكفر عن كل ما قد ينسب إليها من نقص وملجم عنها لسان كل ذي ضغن ودافع عنها كل كلام على العواهن ومبرئ ذمتها من كل نقد مبني على غير روية.

كما ستوفر هذه القمة، بحول الله، فرصة نادرة لجلب كبار الممولين العرب إلى موريتانيا وإقحاهم، بالحديث والخبر العيان، في واقعها المعاش. حينها ستتمكن الحكومة الوطنية من "استغلال مروءة الضيوف" و"احتلاب حرجهم" طيلة مقام دبلماسي سيشبه، من الناحية الاقتصادية والمالية، احتجازا أبيض، هدفه أن ينعم الزائر بالوقت الكافي للإحاطة بعوز المزور وأن تفتح مفاوضات، لم تكن لتفتح في غير هذا المناخ، وأن يسجل المقام نوبات متميزة من الإحساس العميق بأقصى أطراف الجسم العربي وأن تسري حمى السخاء إلى أيادي الأشقاء.

كذلك، سينشأ عن زيارات التفقد الجانبية والعروض المختلفة أمام الضيوف وعي جديد بموريتانيا كقطب استثماري وشريك اقتصادي مقبول. ولا ضير أن نتصور مثلا شراكة موريتانية قطرية لاستغلال حقل الغاز الجديد على الحدود مع السنيغال أو استثمارا سعوديا بضخ مليارات في الفدادين بشمامة أو تعاونا مع مصر للنهضة بالتعليم، عن طريق إعادة إيفاد المدرسين والأساتذة، أو ضخ أموال  طائلة في مجال الصيد والصناعة المنجمية من طرف الإمارات والكويت والجمهورية الجزائرية. كذلك، لا يستبعد أن يمكن الظرف من إعادة فتح ما كان معلقا من ملفات للتعاون وأن تدب الحياة في جل المشاريع التنموية ذات التمويل العربي.

وعلى العموم، ستجد موريتانيا نفسها أمام رهان مع الزمن إذ يظل حصول فائدة اقتصادية للقمة مشروطا باستغلال خاطف وممنهج لمرور الضيوف الموسرين وانتقاء معقلن ورشيد للملفات المثارة أمامهم.

 

  1. قمة الأمل: تألق موريتانيا خدمة للعرب

ليس من المنتظر أن تغير هذه القمة صفحة الواقع العربي ولا أن تحمل قرارات نافذة تخفف من كسف الفتن المتعاقبة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وفلسطين. وبقدر ما لا يكون من الحكمة، ولا من الإنصاف حتى، أن نتوخى من ورائها كشف الضيم وتوحيد الصف لا يبدو منطقيا، ولا حتى مقبولا، أن نزدري أثرها أو نحكم بفشلها لمجرد ضلوع جزء من أعضائها، بحالة أو بأخرى، في نزاعات لدى الجزء الآخر.

إن الجامعة العربية، رغم فشلها المتراكم ووهنها القديم، تمثل خطوة في طريق الاتحاد ورغم كل ما يمكن أن يقال عنها فقد حكم الواقع العالمي بتوجه الدول، بشكل قسري، لا رجعة فيه ولا تنازل، نحو التنظيمات الأممية الكبرى وحتى إن بدا العالم العربي جد بعيد من بناء كيان مثل الاتحاد الأوروبي فإنه قد وضع نفسه على السكة، والباقي مسألة تحول تاريخي مفروض وقضية أجيال لا مفر منها. لكن الحديث عن دولة عربية تلم كل كيانات العرب، في ظل سلطة فدرالية أو سلطات متناغمة، أمر غير وارد الآن، لانعدام أدوار ملموسة مدعمة له ولبعد ما بينه مع الواقع الراهن. رغم كل ذلك، تبقى هذه القمة حلقة فعلية في مسار التلاحم العربي وبتنظيمها تتمنطق موريتانيا بلواء المشاركة في بناء مستقبل الأمة العربية.

 

رغم كل التحضيرات والإمكانات المعبأة، كما هي الحال دائما بين يدي المواعيد الكبرى، قد يحدث تعثر بسيط في البث أو تسيير حركة الوفود أو تطبيق قواعد البروتوكول. كل هذه الثغرات جزء طبيعي من تنظيم الملتقيات الضخمة ولكن يتفهمها الجميع عادة ويضعها في إطار الجهد الزائد والحرص على بلوغ الكمال. لذا قل من يعيبها أو ينتقص من أصحابها، بل هي ملح مستحب يضفي نكهة ضاحكة على جد الموقف وصرامة المقام.

وعلى أية حال، إن حدث شيء من هذا القبيل كانقطاع التيار الكهربائي أو سقوط رئيس في السلم أو خلل في الإرسال التلفزي وعلم به المنتدى فإن ذلك هجيراه وضالته المنشودة. وله أن يضحك وله أن يتندر فلطالما عاشره الضجر ولطالما آسفته السياسة. فدعه إذا ولا تزلمه وتلطف به ولا تحزنه. دعه عنك فقط. فإنها أيام عيد.

         

 عبد الله ولد أبوبكر

ناشط سياسي

تابعونا على الشبكات الاجتماعية