القدس العربي» : تضاربت الأنباء والتحليلات أمس حول حقيقة المواجهات العنيفة التي اندلعت ظهر الأربعاء بين شرطة مكافحة الشغب ومجموعات لملثمين في حي «مستشفى العيون» وسط العاصمة، وأدت إلى سقوط جرحى بينهم قائد سرية أمنية، وتكسير سيارة للشرطة وتسببت بحالة من الهلع والفوضى داخل الأحياء المجاورة
.
.فبينما اعتبرت أوساط في المعارضة أن المحتجين هم أهل الحي الرافضون لترحيلهم لوجهات مجهولة، أكد المدونون أن المواجهات «نذر انفجار اجتماعي سببه الغبن والظلم»، أكدت السلطات أن المحتجين ليسوا من سكان الحي بل هم مجموعات مشاغبة من خارج الحي انتهزت المناسبة للقيام بأعمال عنف ولتهديد السكينة العامة.
وحسب آخر المعلومات فقد قررت السلطات تأجيل عملية الترحيل إلى أن تهدأ الأمور، فيما واصلت الأجهزة القضائية والأمنية أمس تحقيقاتها مع عشرات من العناصر التي اعتقلت خلال المواجهة وفي مقدمتهم أمدو تيدان جوب نائب رئيس حركة «إيرا» الحقوقية المتهمة بإثارة الشغب، بينما يرقد المصابون في هذه المواجهات في المشافي.
وقد حدثت المواجهات بينما كانت السلطات تسعى لتطبيق اتفاق مع مجموعة من أسر في حي مستشفى العيون تنتمي لشريحة «الحراطين» (الأرقاء السابقين) يقضي بنقل الأسر من الحي الذي يحتلون فيه منذ سنوات عديدة قطعاً أرضية مملوكة للغير، إلى 400 قطعة أرضية مؤهلة جهزتها السلطات لهم في القطاع 5 من مقاطعة توجنين شرق العاصمة نواكشوط.
وحسب مصادر أمنية مرابطة في مكان الحادث فقد انتهز نشطاء في حركة «إيرا» الناشطة في مجال مكافحة الرق والتي يصفها خصومها بالتطرف والعنصرية، هذه المناسبة وتجمعوا خارج الحي بأعداد كبيرة ونفذوا أعمال شغب حيث ضربوا عناصر الشرطة بالحجارة والعصي وقذفوا سيارات الشرطة بالحجارة».
وأشاع المتظاهرون المحتجون حسب شعارات رددوها بأنهم «يرفضون قيام السلطات بترحيل أسر فقيرة تنتمي لشريحة «الحراطين» المسحوقة والمسترقة من مواقع تعيش فيها هذه الأسر منذ سنوات إلى وجهات مجهولة وإلى مواقع نائية في الضواحي لا تتوفر فيها الخدمات ولا ظروف الحياة».
وفي تصريحات صحافية أدلى بها أمس أكد والي ولاية نواكشوط الغربية ماحي ولد حامد «أن الأجهزة الإدارية والأمنية المختصة كانت بصدد تنفيذ اتفاق مبرم مع الأهالي، بموجبه سيتم نقل 99 أسرة إلى قطع أرضية جديدة، رغم أن 19 أسرة منها سبق وأن استفادت من توزيعات سابقة».
وأوضح الوالي «أن بعض المهاجمين وصلوا إلى المنطقة من تجمعات أخرى مجاورة، وقد تم الاعتداء على عناصر الشرطة وحرق أحد باصاتها»، مؤكداً «أن المنفذين موجودون الآن بيد العدالة وستطبق فيهم القوانين المعمول بها».
وفي الجانب الآخر، عبر الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، في بيان وزعه أمس، عن غضبه واستنكاره الشديدين لما جرى من قمع و تنكيل بمواطنين عزل»، حسب تعبيره.
ودعا الميثاق « مناضليه كافة للتوجه بعد الإفطار مباشرة إلى المخيم المضروب بجنب مستشفى العيون بغية الاعتصام فيه لمؤازرة إخوتهم المكلومين حتى ينالوا حقوقهم».
وأكد الميثاق وهو هيئة حقوقية ناشطة في مجال مكافحة الرق وآثاره «أن قوات الأمن قامت عصر الأربعاء بأمر من السلطات بهجمة همجية على بعض الساكنة الفقراء بالحي المعروف بـ»كزرة طب ولد بوعماتو».
«وحسب آخر الأخبار، يضيف الميثاق، فإن المواجهات أدت إلى سقوط العشرات من الجرحى بعضهم جروحه خطيرة، ولم يتأكد الميثاق حتى الآن، حسب ما ورد في البيان، من وجود حالات وفاة رغم الإشاعات والاحتمال الكبير لوقوعها استناداً إلى ما وقع من عنف وتنكيل شديدين».
وأشار الميثاق في بيانه «لاكتظاظ المفوضيات ومراكز الشرطة والدرك والحرس كافة بأعداد هائلة من المعتقلين من بين سكان الحي المذكور الذين لم يرتكبوا من جرم سوى رفضهم لترحيلهم إلى جهات مجهولة بدون منحهم قطعاً ارضية يسكنونها».
واعتبر الميثاق «أن ما وقع هو جرائم نكراء منكرة ترتكبها قوة عمومية لأول مرة في تاريخ موريتانيا وفي شهر رمضان المعظم».
وأكدت وكالة «الساحة» الإخبارية المستقلة نقلاً عن مصادر عليمة «أن عناصر من حركة «إيرا» المتطرفة هم من أشعلوا فتيل المواجهات التي وقعت في مقاطعة لكصر وقاموا بالتحريض على أجهزة الأمن، ومحاولات التخريب التي طالت مباني وسيارات مواطنين عزل، ولم يسلم منها حتى المارة».
وأوضحت مصادر «الساحة» الإخبارية «أن المحرضين في حركة «ايرا» ومن يسير في فلكهم اختاروا أسلوب التصعيد ضد الحاكم والأجهزة الأمنية التي فضلت عدم مواجهة التصعيد بالتصعيد خشية سقوط أرواح وضحايا في المواجهات، واختارت ضبط النفس، رغم الاستفزاز، الذي تعرضت له، والتكسير المتعمد لبعض تجهيزاتها وآلياتها». وأكدت مصادر وكالة الساحة «أن الجهات التحريضية تشمل كتاباً ومدونين، وحقوقيين، يتقاضون علاوات ورواتب من جهات أجنبية لتنفيذ أجندات مخربة في موريتانيا والعمل على تقسيم مكونات شعبها، وتشتيت وحدته الوطنية بذريعة «الدفاع عن حقوق المهمشين، والفقراء». هذا وانشغل كبار المدونين الموريتانيين بهذه الحادثة وبانعكاساتها المحتملة على وحدة وتماسك المجتمع الموريتاني ذي الأعراق المتعددة. وفي هذا الإطار أكد محمد الأمين سيدي مولود وهو مدون بارز محسوب على المعارضة «أن مشكلة اليوم ليست في «گزرة لكصر» ولا في قطعة أرضية يراد نقل من سكنوها عقدين أو أكثر إلى مناطق نائية تحتاج النقل والماء وغيرها، مشكلة اليوم ليست مجرد ملكية خاصة يراد استرجاعها لصاحبها وليست مجرد قمع وحدات أمنية في أجهزة أمنية تعاني الشرخ الاجتماعي نفسه في بنيتها لعجائز وأطفال وفقراء يتشبثون بأخبية في دولة يتبجح رئيسها بفائض المليارات في خزينته، إنها مشكلة احتقان اجتماعي يترجم في أي احتكاك بين سائق تاكسي وزبون، أو بين أي زبون وبائع عند أي انفعال، إنها تلك المشكلة التي يتكلم عنها الجميع عندما يوصدون عليهم البيوت، فتهمس الألسن أو تصرخ، وتسرد يوميات الاحتكاك وآيات الاحتقان ومؤشرات الانفجار». «إنها، يضيف ولد سيدي مولود، مشكلة «الحراطين»، مشكلة الغبن والتهميش، مشكلة الاسترقاق والدونية، مشكلة المناصب والتعيينات، مشكلة الصفقات والامتيازات، التي تتجلى في اكتتاب الضباط وترقياتهم وتعيين الولاة والحكام والأمناء العأمين والوزراء ورؤساء الادارات والمصالح الخ.. وتظهر في شحوب الحمالة والبنائين وأصحاب شاريتات وبائعات باسي وكسكس والعيش، وتنعكس في التعليم الرسمي والحر، وفي النقل العام والخاص، في الباصات المتهالكة والسيارات الفارهة، كما تتجسد في السجون بين من يختلس مئات الملايين أو عشراتها ثم يطلق سراحه بنفوذ قبلي ليصبح ثرياً مؤثراً في السياسة والمجتمع، ومن يسجن لسرقة قنينة غاز أو مذياع فيخلد في السجن». وزاد «مشكلة اليوم ليست من اليوم، إنها مشكلة كبيرة عريضة ضاربة في عمق المجتمع بتاريخ العبودية والطبقية فيه، ومجسدة بتجسيد القبلية والفساد فيه، ومتجذرة بتجذر هشاشة الدولة وغياب العدل، إنها مشكلة الدولة والمجتمع والنخبة بكل ألوانها وخلفياتها، إنها مشكلتي ومشكلتك ومشكلتنا ومشكلتهم، فمن شاء فليستيقظ ومن شاء فليغط في نومه وأحلامه أو برجه أو مصالحه أو كبره أو مكابرته، فذلك السيل القادم كفيل بأن يجرف الجميع».