يواجه غرب إفريقيا خطر الغمر البحري انطلاقا من سواحله التي تآكلت بسبب ظاهرة الانحباس الحراري العالمي، وأصبحت عاماً بعد عام أقل مقاومة لأمواج الأطلسي، ويمتد خطر الغمر البحري بغرب إفريقيا على مسافة طويلة مهددا عدة دول، فمن نواكشوط بموريتانيا إلى سانت لويس بالسينغال وصولا إلى لاغوس بنيجيريا مروراً بمونروفيا بليبيريا وكوتونو ببينين، تتركز المدن المهددة أكثر من غيرها بغمر المحيط الأطلسي.
فكيف تواجه هذه الدول عوامل التعرية وتغير المناخ، وكيف يمكنها التحكم بإمكانياتها البسيطة في ظروف وعوامل دولية تؤثر على اقتصادها وتركيبة مدنها، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة من أمطار غزيرة وفيضانات متكررة وما يترتب عليه من ارتفاع مستمر في منسوب المياه وتآكل السواحل إضافة إلى الدمار والخسائر المالية والاقتصادية الكبيرة.
ومنذ تحذير الخبراء من خطر الغمر البحري تباينت ردود أفعال وسياسات دول غرب إفريقيا في مواجهة هذا التهديد، بين الإجراءات السهلة والحلول السريعة وبين الخطط الطموحة والحلول الجذرية التي يمكن أن تحل المشكلة لكن على المدى الطويل، فقد اختارت بعض الدول مواجهة الفيضانات وتآكل السواحل بوضع حواجز ترابية وأكياس رمل على طول الساحل القريب من تجمعات السكان، فيما اتجهت أخرى الى مواجهة مخاطر المناخ بالتفكير جديا في نقل المدن والتجمعات إلى مناطق أخرى كما حدث بليبيريا التي اتخذت حكومتها يوليو الماضي قرارا بنقل العاصمة مونروفيا من الساحل الى جزء آخر من البلاد.
وتحذر دراسات عديدة من تأثير تآكل الشاطئ من نواكشوط إلى لاغوس، حيث ينخر البحر السواحل بمعدل متر إلى خمسة أمتار سنويا، ويضعف الحواجز التي تفصله عن المدن التي تمثل 42% من اقتصاد غرب إفريقيا والتي يعيش فيها ثلث سكانه.
تؤكد الدراسات أن سواحل غرب إفريقيا عبارة عن مناطق رملية منخفضة للغاية، مما يجعلها ضعيفة وعرضة للتآكل والغمر البحري، ووفقا للدراسات فانه من المتوقع أن يصل ارتفاع مستوى سطح البحر إلى ما يقرب من متر واحد بحلول عام 2100 في حالة ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار +4 درجات مئوية.
في هذا الصدد يقول الباحث في شؤون المناخ يحيى ممادو إن منطقة غرب إفريقيا تواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالمياه وتغير المناخ، وقد كان لها عواقب مثيرة للقلق كالجفاف في بعض المناطق والفيضانات المدمرة في مناطق أخرى، ويضيف في حديثه لـ "العربية نت" إن تتعرض المدن والعواصم الإفريقية وغيرها من النقاط المناخية الساخنة لتأثير الانحباس الحراري العالمي، يفرض على الدول إيجاد حلول سريعة وجذرية لوقف ظاهرة مدمرة محتملة في غرب افريقيا".
ويؤكد الباحث أن نحو ثلث سكان غرب افريقيا يعيشون في المناطق الساحلية ما يجعل النشاط البشري عامل إضافي يزيد من خطورة الظاهرة، ويقول "النشاط البشري يتسبب في تآكل الحواجز الطبيعية بالشواطئ في غرب إفريقيا باستغلال الرمال في البناء والانشاءات وخاصة إنشاء السدود الكهرومائية التي ازدهرت في الفترة الأخيرة، مما أدى الى ترسب مياه المحيط في عدة مناطق..".
ويحذر الباحث من استمرار انخفاض الحاجز الرملي والفيضانات التي ضربت المناطق الساحلية، وإزالة الغابات بفعل التوسع الحضري، ويقول "إذا كانت العوامل الخارجية لظاهرة الانحباس الحراري والتي لا تستطيع دول غرب إفريقيا التحكم بها كارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد القاري، فانها على الأقل قادرة على التقليل من التأثير البشري كإزالة الغابات في كينشاسا، وتآكل الحاجز الرملي في سانت لويس..".
ويؤكد أنه في كل مدينة من هذه المدن الإفريقية التي تواجه خطر الغمر، يمكن أن ننطلق بخطة لمكافحة آثار الظاهرة محليا خاصة في المدن الكبرى التي نمت بسرعة وفي كثير من الأحيان دون وجود خطة تواكب الانفجار الديمغرافي بها.
ويقول إن غالبية الدول المهددة بالغمر البحري قامت بتنفيذ خطط ما زالت آثارها محدودة للغاية من حيث الزمن أو النطاق، في حين أنه ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة والاستعداد لتوقعاتها القاتمة، يجب على السلطات تنفيذ خطط عاجلة وفعالة كما يجب على المجتمع الدولي المشاركة في تفاصيل معركة المناخ التي تخوضها مدن القارة بأساليب بطيئة.
العربية