دقة - حياد - موضوعية

شرببة.. هزيمة أطالت عمر الأمازيغية في موريتانيا

2016-03-11 06:24:35

على النقيض مما يذهب إليه كاتب مقال نُشر مؤخرا (انظر أول تعليق)، كانت هزيمة شرببة المدوية وما ترتب عليها من وضع سياسي واجتماعي أهم عامل أبقى اللسان الأمازيغي (اكلام ازناگة) حيا في منطقة الكبلة (لا تسمع همسا بهذه اللغة في بقية المناطق)..

.

فحين قامت تلك الحرب كان مسلسل التعَرُّب (هل يحتاج الأمر مزيدا من الإيضاح؟) جاريا على قدم وساق وكانت اللغة العربية قد اتخذت مكانها على هذه الأرض، بكل ما ترتبط به من حمل لرسالة الإسلام و"عالمية" وما تمنح هي ومجالها الجغرافي الواسع من فرص اقتصادية جاذبة.
إن تلك الهزيمة "المباركة"، وما خلفت من ندوب نفسية واجتماعية هي ما أبقى هذه اللغة حية حتى اليوم لدى ثلاث مجموعات قبلية (بحسب تعداد المتحدثين بهذه اللغة إداب لحسن، تندغة "المثلوثة" أولاد مهنض أمغر). وجدت هذه القبائل المنهزِمة (والمتأثرة بالوضع السياسي الجديد) فيما تمنحه الأمازيغية من إمكانيات للحفاظ على الخصوصية والتمايز أمام موجات بشرية ثم لاحقا سيطرة سياسية وعسكرية دفئا نفسيا وثقافيا ضمدت به جراحها النازفة.
لقد بلغ التمسك بهذه اللغة في الگبلة حدَّ أسْطرتها وإضفاء "البركة" على الحديث والمتحدثين بها. في المقابل وُصمت الحسانية (لغة المنتصِر) بالعجرفة و"اللابركة" في محاولة لتعويض الحواجز الجغرافية -أهم عامل في الحفاظ على الخصوصية اللغوية- التي تمتع بها سكان الأطلس ومنطقة القبائل وآدرار إيفوغاس وآدرار إينفوسن بحواجز أخلاقية وروحية. باختصار كانت الأمازيغية ترسانة دفاع لدى سكان الگبلة بعدما كُسر السيف الذي لم يكسر في تگانت، وفشل الاندماج الذي لم يفشل في آدرار. بقية مناطق ما سيشكل لاحقا موريتانيا لم تعرف، حسب ولد السعد وماريا دي بوفيه، وآخرين، قيام أنظمة أميرية تستدعي إرهاصاتها نزالا هوياتيا.
في الأخير لنضحك مما ذهب إليه الكاتب من أن اللغة الأمازيغية في موريتانيا لم يبق منها "إلا بعض كلمات قليلة جدا عبارة عن أسماء متناثرة على رمال الصحراء وكثبانها"، فقد تركت قبل أسبوع حيا كاملا لم تنجح مدينة المذرذرة بعد عقود من الاستقرار بها أن تنسيَهم هذه اللغة، واستمعت البارحة إلى معارَضة ابن بِيدَحْ لقصيدة الشيخ محمد اليدالي "صلاة ربي" باللغة الأمازيغية تحكيها من تتقن هذه اللغة وترتاح كثيرا لتجاذب أطراف الحديث بها.

عن الصفحة الشخصية للكاتب بابا ولد حرمة

تابعونا على الشبكات الاجتماعية