من نعم الله على سكان هذه الأرض أن أودع فيها من الأرزاق ماتقتات به المخلوقات جميعا، وأنعم علينا في هذه القطعة الأرضية الموريتانية بكثير من الموارد وبنعمة الدين الإسلامي الذي يدعونا إلى عبادة الله عن طريق شكر أنعمه التي أمرنا أن نحسن التصرف فيها.
في كل خريف نتباشر بتساقط الأمطار والسيول والفيضانات. تمتليء السدود والأودية بثروة كبيرة من المياه نتناقل صورها مستبشرين ومع ذلك تضيع هذه الثروة كل سنة وننتظر المساعدات الداخلية والخارجية حتى لا نهلك، ويتكرر الأمر كل عام دون أن نتساءل : كيف نضيع ثروة طائلة من فيض الله ونعمه دون ان نقابلها بالحمد والشكر المتمثل فى إستغلالها وحسن التصرف فيها ؟
كيف فشلت الحكومات المتعاقبة في أن تؤسس لثورة زراعية ستقودنا حتما إلى ثورة شاملة ؟
إن ثروة مياه ألأمطار الدائمة تضيع كل عام نتيجة غياب إستراتيجية وطنية فى مجال الزراعة وعدم وجود سدود تحفظها لتوجيهها الى مشاريع زراعية ورعوية لمساعدة أصحاب الدخول المحدودة أوإستفادة عديمي الدخل وهم كثر.
إن موريتانيا ألأعماق لا تريد البترول ولا الغاز ولا الذهب، بل تريد الزرع والضرع والخضر والفواكه والأعلاف، وهذه يمكن توفيرها بسهولة لو أن الدولة تحملت مسؤوليتها فى مجال الزراعة وأنشأت عشرات المشاريع الزراعية تحت إشرافها ودون وسيط معتمدة على من لديهم إستعداد تام ليغرسوا بأيديهم تحت حرارة الشمس.
عندما كنت مدرسا في مقاطعة سيلبابي(سنة 2000) فى قرية تبعد حوالي 45 كلم من مدينة سيلبابي كنا نشرب مياه السيول فى الوديان وبعد نفادها يتحول ألأمر إلى أزمة ليضطر السكان إلى شرب ماء مالح يجلبونه على مضض من بئر بعيدة.
رأيت بأم عيني كيف تضيع ثروة مياه ألأمطار والسيول وكيف يعانى سكان تلك المناطق حيث الدولة غائبة تماما.
ومن الغريب اننا ونحن نناقش مشكلة نقص المواد الغذائية وإرتفاع أسعارها وزيادة عددالسكان وتقلبات السوق الدولية والبطالة فإن معدل تساقط الأمطار سنويا يقارب 300 ملم إضافة إلى السيول ولاكن لا نستفيد منها بل تتحول إلى أزمة فيضانات تصحبها أضرار في المساكن والأنفس في حين كان بإمكاننا إستثمارها كثروة حقيقية.
يوم أمس وفي مقاطعة تامشكط أطل علينا رئيس الجمهورية من خلال التلفزة بخطاب زراعي واضح مستنهضا هممنا من أجل تكاتف جهودنا و إلإعتماد على أنفسنا، مكررا أنه لا أمن ولا أمان لمجتمع يأكل من وراء الجدران....!!!
في هذه السنة قامت الدولة بترميم 40 سدا وتعهدت بنقل المزارعين إلى قراهم مجانا ومؤازرتهم في جهودهم الزراعية، وكمساهمة متواضعة فإنني أقدم إلإقتراحات التالية راجيا من الدولة أن تبدأ في تطبيقها قبل أن تجف مياه الأمطار :
القيام بدراسات فى كل المدن لمعرفة كيفية الإستفادة من مياه ألأمطار والسيول.
بناء خزانات وسدود على مشارف القرى والمدن لهذا الغرض.
إقامة مشاريع زراعية مروية في كل المدن والقرى.
تكوين آلاف الشباب فى الداخل فى مجال الزراعة المروية و الموسمية.
ألإستفادة من خبرات الدول المجاورة كالمغرب والسنغال في هذا المجال.
تخصيص رواتب شهرية معتبرة للعاملين فى مجال الزراعة كموظفين مع تشجيعات أخرى بعد الحصاد.
تحويل مندوبية تآزر إلى مندوبية وطنية للزراعة.
وقبل هذا كله على الدولة ان تقوم بتأميم الأراضي الزراعية وإبعادها عن التجاذبات القبلية والاجتماعية وتحويل البلد إلى ورشة زراعية.
عندها ستتغير العقلية الفاشلة والمريضة لؤلئك اللذين يرون فى مهنة الزراعة معرة كما كنا مع مهنة الصيد والبحر.
للأسف يفضل أحدنا أن يذهب منقبا عن الذهب في صحراء قاحلة ومخاطرة تشبه المغامرة على أن يكون مزارعا حتى ولو عاد بكل أخفاف حنين (صفر اليدين).
لو أنفقنا الأموال التى أنفقت فى التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى فى الزراعة ولو لسنة واحدة لأكلنا من فوقنا ومن تحتنا، ومن قثائها وفومها وعدسها وبصلها وصدرنا للدول المجاورة وقضينا على البطالة.
واهم مجتمع ينتظر البترول والغاز والذهب ليبني دولة متقدمة وغنية وقوية، إن الثروة الحقيقية للمجتمعات هي العمل والعمل والعمل وتحويل كل ما فوق أرض الوطن إلى طاقات حية بما فيها الإنسان.