دقة - حياد - موضوعية

بأي منطق تبقى اللغة الفرنسية هي لغة الإدارة في موريتانيا؟

2020-11-13 01:32:00

(1) لا معنى لأن تبقى اللغة الفرنسية هي لغة الإدارة في موريتانيا، ذلك هو ما يقوله المنطق السليم:
-  فلا الدستور الموريتاني يلزمنا باستخدامها، ولا هو ذكرها كلغة رسمية أو وطنية أو حتى كلغة ثانوية؛

.

-  لا الماضي الاستعماري لفرنسا ترك فينا بنية تحتية تشفع لهذا البلد الاستعماري حتى نتمسك بلغته؛

ـ لا حاضر فرنسا ومواقفها المسيئة لديننا الإسلامي يدعو  للتمسك بلغتها؛

 ـ لا المكانة المتراجعة للغة الفرنسية عالميا تغري بالاهتمام بهذه اللغة؛

فلماذا لا نبدأ بمراسيم توديع اللغة الفرنسية بشكل متدرج؟ ولماذا لا نجعل من اللغة الانجليزية والتي أصبحت هي لغة العالم والعالم في عصرنا هذا لغة ثانية بدلا من الغة الفرنسية؟

(2)

 ـ إذا زرت مواقع التواصل الاجتماعي فستجد بأن ما يزيد على 90 من رواد هذه المواقع ينشرون باللغة العربية؛

 - إذا زرت المواقع الإخبارية النشطة فستجد أن ما يزيد على 90% منها مواقع عربية؛

-  إذا شغلت القنوات التلفزيونية والإذاعات الحرة (وهي التي تبحث عن أكبر عدد من المشاهدين والمستمعين) فستجد بأنها لا تخصص للغة الفرنسية إلا نسبة أقل من 5% من برامجها؛

 - إذا ذهبت إلى الأسواق في شرق موريتانيا وغربها، في شمالها وجنوبها، فلن تسمع من يتحدث بالفرنسية إلا نادرا؛

-  إذا ذهبت إلى كل التجمعات، ومهما كانت طبيعة تلك التجمعات فلن تسمع من يتحدث باللغة الفرنسية إلا بنسبة أقل من 1%؛

 - إذا أوقفت سيارة أجرة فلن يسألك سائقها عن وجهتك باللغة الفرنسية، ولن يخاطبك بتلك اللغة؛

-  إذا ذهبت إلى مخبزة أو مجزرة أو بقالة في حيك فلن تتعامل مع البائع باللغة الفرنسية؛

 - إذا ازدحم حولك المتسولون فلن يسألك أي واحد منهم الصدقة باللغة الفرنسية؛

-  إذا ذهبت إلى المقبرة فستجد أن ما يزيد على 95% من أسماء الموتى قد كتبت باللغة العربية؛

ـ إذا ذهبت إلى الثانويات فستجد أن نسبة كبيرة من أساتذة المواد العلمية لا تستطيع أن تشرح دروسها باللغة الفرنسية، وأن نسبة أكبر من التلاميذ لا تستطيع أن تفهم الدرس إذا ما تم تقديمه كاملا باللغة الفرنسية؛

أما إذا ذهبت إلى الإدارة فستجد أن ما يزيد على 80% من الوثائق قد كتبت باللغة الفرنسية.

إننا نعيش بالفعل خللا كبيرا، وقد حان الوقت للبدء في تصحيحه.

(3)

من النادر جدا جدا أن يتحدث الناس في أسواقهم أو في إعلامهم أو في أي شكل من أشكال معاملاتهم باللغة الفرنسية، ومع ذلك فقد استنتجت الأنظمة الموريتانية المتعاقبة من ذلك أن اللغة الأنسب للإدارة والتي يجب أن تكون قريبة من المواطنين هي اللغة الفرنسية!

يحدثك  بعض المدافعين عن اللغة الفرنسية في أيامنا هذه عن الدستور وعن اللغات التي تم ذكرها فيه، وعن الإسلام وعن لغة القرآن، وعن إساءات فرنسا المتكررة للإسلام وضرورة مقاطعتها، ثم يستنتج من بعد ذلك كله بأن التحدث باللغة الفرنسية مباح في البرلمان، ومشروع في الإدارة، وتعلمها في المدارس مطلوب..فمن أين يا أخي جئت بهذا الاستنتاج الغريب؟ ألا ترى بأن كل هذه المقدمات كان يفترض بها أن تأتي باستنتاج مناقض لاستنتاجك؟

لا تختلف هذه الاستنتاجات عن قصة تروى عن طفل له استنتاجات في منتهى الغرابة والاستفزاز.

تقول القصة بأن أبا ثريا يملك قصرا فخما، قرر ذات يوم أن يأخذ ابنه في رحلة إلى بلدة فقيرة في الريف لا يسكنها إلا الفقراء، وكان الأب يريد من تلك الرحلة أن ينبه ابنه إلى أنه يعيش في نعيم ورخاء قد حُرم منه الكثير من أطفال الفقراء. قضى الأب وابنه أياما في ضيافة أسرة فقيرة جدا كانت تسكن في مزرعة بالبلدة الفقيرة وفي طريق العودة دار بين الأب والابن الحوار التالي:

الأب : كيف كانت الرحلة ؟

الابن : كانت رحلة رائعة

الأب : هل شاهدت يا ابني كيف يعيش أهل هذه البلدة، وكيف كانت تعيش الأسرة التي أقمنا عندها؟

الابن : نعم يا أبي لقد شاهدتُ كل ذلك، فالأسرة التي أقمنا عندها تملك أربعة كلاب ونحن لا نملك إلا كلبا واحدا، وهي تملك بركة ماء لا حدود لها ونحن في منزلنا لا نملك إلا حوض سباحة صغير، ونحن نضيء حديقتنا الصغيرة بمصابيح، أما هم فإنهم يضيئون حديقتهم ذات المساحة الشاسعة بنجوم تتلألأ في السماء، وباحة منزلنا ضيقة في حين أن باحة منزلهم تمتد مع الأفق.

ظل الوالد يستمع لمقارنات الابن الغريبة دون أن يعلق عليها، وذلك من قبل أن يختم الابن حديثه بالاستنتاج التالي:

لقد عرفتُ يا أبي كم نحن فقراء، وكم هم أغنياء!!

(4)

أختم بهذه القصة التي حدثت في إحدى القرى الموريتانية، وقد رواها لي صديق، وهي تعكس وجها من الأضرار الكثيرة التي تلحق بالمواطنين بفعل إصرار الإدارة على استخدام اللغة الفرنسية في معاملتها مع المواطنين.
القصة أو الحادثة تتعلق بقرية موريتانية ظلت لسنتين تصلح مضخة الماء على حسابها، وفي مرة تعطلت المضخة نتيجة عطل كبير، فسافر موفد من القرية إلى العاصمة نواكشوط لحل المشكلة، واتصل الموفد بوسيط أو نافذ وحين راجع معه الوسيط الشركة الوصية، وجدا أن العقد المحرر باللغة الفرنسية يتضمن بندا ينص على أن الجهة الوصية ملزمة بإصلاح كل الأعطاب التي قد تتعرض لها المضخة.

تصوروا لو أن العقد كان باللغة العربية، فهل تعتقدون بأن أهل القرية كان سيفوتهم بأن الشركة التي وقعوا معها العقد ملزمة بتحمل إصلاح أي خلل قد تتعرض له المضخة المائية؟

لن يفوتهم ذلك، حتى ولو كانت نسبة الأمية في قريتهم مرتفعة جدا.

حفظ الله موريتانيا..

تابعونا على الشبكات الاجتماعية