هذا النص مقتبس من مقترح لمادة تدريسية مقدمة إلي معاهد و مراكز دراسات عربية من قبل الأستاذ عبد الله علي إبراهيم أستاذ سوداني من جامعة مسوري في الولايات المتحدة الآمريكية والإشكاية المطروحة تتمحور حول مشاكل التعايش مابين الأفارقة والعرب في مناطق التماس الإثنية و هو أمر جدير بالتدبر من قبل الموريتانيين
.
عرب الحافة: محنة قوم تحمسوا للعروبة وتعلقوا بالإسلام فتقاذفهم عرب لا يعترفون بعروبتهم و أفارقة لا يعترفون بمواطنتهم
قولي بعرب الحواف من باب استشعار الخطر على وجودهم القومي في تلك البقاع بغض النظر إن كانوا هم من جنى على نفسه او من جنى عليه غيره وهذا الاستشعار من نذر النكبة التي قد تأخذهم كالصيحة إن لم يحسنوا إلى أنفسهم أو إلى غيرهم فأول ضحايا هذا الخطر الجلل إبادة عرب زنجبار سنة 1964…
فحاسة الخطر بالحافة هي تجربة وجودية لعربي سوداني مثلي كانت هويته موضوع محاكمات دقيقة مضرجة بالدم من مساكنيه الإفريقيين ومصدر إزعاج عالمي عريض وهي المحاكمة التي انتهت بفض الشراكة العربية الإفريقية الكبرى في السودان سنة 2011 بالاستفتاء المعروف. ووقع تصدع القارة فشمال صحرائها بيَن و جنوب صحرائها بيَن وهو تحديدا ما توخينا أن لايقع طوال فترة النضال القومي الجامع لشعوب افريقيا ضد الاستعمار الأوروبي تملكني الحس بالخطر المحدق بعرب الحافة من جدالات الخضم السياسي السوداني حول ذاتنا العربية (وضدها) مع أفارقة جنوب السودان. لم تكف صفوة الافريقيين من تذكيرنا بأنا مستوطنين و غير مواطنين وحمل هذا الخطاب تهديدات بأن مصيرنا سيكون مصير عرب زنجبار و عرب الأندلس....
توافق مع تحرج مسألة عرب الحافة في السودان و سوء "خلقهم" في مساكنة الآخرين في الوطن حرج آخر جاءنا من جهة موريتانا فصار الربط بين سوءات عرب البلدين سائغا حتي أن لجنة الشؤون الخارجية بالكونكرس الأمريكي عقدت جلسة في مارس 1996 لمناقشة استرقاق العرب للأفارقة وكان الترويج و إذاعة ظاهرة النخاسة العربية المعاصرة من أبرزما أرادت به الحركات القومية الافريقية لفت النظر إلى قضيتها مستغلة أخطر عناصر الذاكرة الامريكية...
لم نكد نوفق إلى حلف تاريخي عربي افريقي للدولة الأمة سنة 2005 حتي انشقت ولاية دارفور علي محوري العروبة والافريقية وكانت مجريات حرب دارفور أنكي على صورة عرب الحافة فقد سلطت عليها وسائل الاعلام الضوء بشكل لم تفعله مع مشكلة الجنوب برغم شدة النزاع هنالك فبرزت صورة العربي العنصري البغيض : الجنجويد (جن يمتطي صهوة جواد متأبطا شرا) وكان متحف الهولكست في واشنطون هو بؤرة التأليب والإفحام و من هذا الشقاق تولدت صورة عرب السودان كمستوطنين لا مواطنين من فرط إالحاح أفارقة دارفور علي أنهم الأصل في البلاد وغيرهم وافدون...
لقد وظفت الصفوة العربية الوارثة للمستعمرين موارد الحضارة العربية كأدوات للإدارة والضبط فلم ير المساكنون الأفارقة ذواتهم في ذلك التوجه واحتجوا وصدقت عند الكثيرين منهم الصورة النمطية للعربي البدوي الجلف وذهب المتطرفون منهم إلى خلع المواطنة عن كل ما عدا "الزنج" وهو اعتقاد بالحق المطلق في الوطنية ورط هؤلاء في عرقية مضادة حجبت عنهم امكانية تصور الدولة-الأمة التي هي الشكل الوحيد المتاح لتعبئة البشر في حدود سياسية أو قومية معترف بها لامكان فيها لوهم الصفاء العرقي...
إنه من الضروري أن تتواضع المراكز العربية في استصحاب عرب الحواف كما هم وأن يعتبروا أنهم في افريقيا بالأصالة عن أنفسهم لا بالوكالة عن أي مركز فقد يعهد إليهم بدور الثغر المرسوم من قبل المركز غير أنه لا بد لعرب الحافة من مصالحة حضارية قاطعة ونهائية وذلك بأن يوازن قادتهم بين مهامهم كرجال مسؤولين عن جماعات وطنية متباينة الثقافات وبين مهمتهم في نشر الثقافة العربية الإسلامية...
إن سياسات عرب الحافة قد كان لها وقع سيئ علي القضية الفلسطينية مثلا فقد اجمع السودانيون في مرحلة نضال الستينيات علي مكافحة "دولة العدو" غير أن منهم اليوم من يغازل إسرائيل و يعتبر التضامن مع فلسطين كيلا بمكيالين من منظور أزمة دارفور...
لقد طغي مطلب نشر الثقافة العربية الإسلامية فوقعت الاستهانة بمأثور القوميات الافريقية فأدي ذلك إلى إفقار حضاري شديد فقد كان من المأمول أن يثير تباين اللغات و الثقافات في السودان شغف الجماعة العربية الإسلامية للتعرف علي جماليات وحيثيات ذلك التباين حتي يقع التثاقف ويحصل الإثراء وهو ما لم يقع و من آيات كسادنا الفكري البليغة انقطاعنا عن هذا الفحص الصعب لثقافات جيراننا الأفارقة وقد حصلت تجارب تثاقف مفيدة في الماضي أنتجت أجناسا خلاسية مثل السواحلي وهو أثر نادر أو غائب بالنسبة للأوروبيين لأنهم عكسا للعرب جاءو كغزاة و سادة و حرصوا علي "الصفاء"...
عبد الله علي إبراهيم
أستاذ شرف للتاريخ الافريقي و الإسلامي
شعبة التاريخ بجامعة ميسوري – كولمبيا