إن التعليم هو المقياس الذي يعكس مدى تقدم وتحضردولة ما, وهو المحافظ الوحيد على عادات وتقاليد الشعوب النبيلة , وما نشاهده اليوم في الوطن من نزاعات عرقية وتنام لدور القبيلة والفيئة والجريمة وحتى الزمرة سببه هو تغيب مؤسسة من أهم المؤسسات ألا وهي التعليم بشقيه المحظري والمد رسي , وجعل إدارته الحقيقية تحت وصاية السياسيين والإداريين الإقليمين الذين تفضل غالبيتهم مصالحهه الخاصة على مصالح الوطن
.والتعليم..عندهم يوفر للقرية بحسب ماتدفع أوبحسب ما يُدفع للإدارة والتي حُولت في بعض الولايات للأسف إلى سوق يكرم فيه المدير والمعلم بحسب تجاوبه مع نزوات المفسدين ,الذين تعج بهم إدارته , وحتى أن بعضهم يفسد بدون قناع أعني الأشخاص الذين كان من المتوقع أن يكونوا درعا منيعا وحصنا حصينا يخافه كل من تُسوِق له نفسه الحيلولة دون توصيل رسالة التعلم النبيلة , والتي بوصولها تبنى لبنة مهمة وأساسية في بناء صرح كل المؤسسات الأخرى ويعالج جل أمراض المجتمع والعكس صحيح.. إن عملية إصلاح التعليم هذه لا يمكن أن تكتب لها الحياة إلا إذاتحمل كل من المشاركين الفاعلين بالدورالمنوط به في كل مدرسة(الإدارة ,المفتش,المدير, المعلم ,أباء التلاميذ..إلخ).. ولنخرج من جدلية تبادل الإتهامات في قضية من المسؤول عن إفشال التعليم ولنكن ميدانيين أكثر, وحرصا منا على مصلحة التلميذ واللأمانه فإن الفصل الأول من السنة الدراسية في أغلب المناطق الجنوبية(الزراعية والرعوية) يقضية التلميذ في المزارع بدل المدراس وهذا على مرئى ومسمع من الإدارة التي يبدو أنها فضلت السكوت مادام هناك إقرارضمني من الآباء بهذا الغياب الجماعي أوإشارة بعدم الحاجة لهذه الخدمة مؤقتا ,هذه الجرمية يتحملها الآباء والإدارة التي تتمالى معهم على الفساد مع إدراكها مسبقا لعدم وعيهم بقيمة المدرسة المدرس والتمدرس , فأحيانا يكون الدافع إلى افتتاح المدرسة ليس لحاجة القراءة والكتابة , إنما محاكاة قرية مجاورة غالبا ماتكون في خلاف سياسي مع الأولى تفتتح المدرسة بطلب من رئيس القرية في بداية الأمر ويرسل لها طاقما تدريسيا مكون من فرد واحد نسميه المدير, يسكن فوروصوله مع رئيس القرية , وسينظر له هذا الرئيس نظرة مضمونها أنه والمدرسة ملكا له وعليه لكي تهب رياح التفاهم ان يسلم بذالك ليتم عمل هذا الثنائي الذي يمثل فيه رئيس القرية الإدارة ويستمد قوته منها , وطبعا حسب ميزان الفساد الذي يعطي الأولوية للتيار السياسي والمكانة الاجتماعية والعطاء المادي .....
المعلم المجد والمثابر في الفصل الأول من السنة الدراسية سيجد نفسه مضطرا إلى الذهاب مع الآباء إلى المزارع في أوقات الدوام الرسمي وذالك لأن القرية التي يعمل فيها ستكون نهارا شبه مهجورة وذلك طيلة موسم الزراعة , وسيشارك القرويين حياتهم وحتما سيستفيدون بدل تعليم الصبيان عادات جيدة من نمط حياته ,ويقتبسون من أخلاقه العالية وخاصة إذا لعب فيهم دور المرشد والواعظ , والمستشار التربوي والصحي ... ريثما يبدأ الفصل الثاني من الدراسة الذي مهما بذل المعلم المجد فإن الشهر الأول منه سيضيع في تجهيز المدرسة وترميمها , وفي اكتمال حضور كافة التلاميذ , وليبقى من عمر الدراسة خمس شهور إذا كان المعلم من التربويين المواظبين سيشغل تلاميذه بتعليم الحروف الهجائية والأرقام الحسابية مكرها على ذلك عسى أن تنتهي السنة الدراسية وقد أصبح جل التلاميذ النابهين يميز بعض الحروف التي تساعده في حل بعض مشاكله اليومية , التي تستدعي معرفة ذلك ....
الأسرة بدورها وفي هذا الخضم تنقسم إلى تيارين اثنين , تيار يقزم ماتحصل عليه التلميذ بعد أن أرسل إلى المدرسة , ليرد عليه نظيره بأن التلميذ لم يُترك للمدرسة فقط , فهو يقضي ست ساعات في المدرسة وتماني عشرة ساعة في المنزل , وبشهادة الجميع فإنه يقوم بأعمال منزلية كثيرة , مما يؤثر على ملكة الفهم عنده وقت الدرس ويجعله يتصرف تصرفات غير طفولية , يفهمها النابه ويؤولها النابه تأويلات عديدة ...
المعلم بدوره في وضعية صعبة فأصابع الاتهام موجهة إليه ولسان الحال يقول أنه يتقاضى راتبا , دون أن ينعكس التدريس على التلميذ , فهو إما ان يساير واقعا مُرًا وغير قادر على تغييره وفساد أكبرمعيق لمهمته , أو يبلغ إدارة لاتفعل أي شيئ , مسايرة لدرجة وعي الآباء والتلاميذ اللذين يفضلون أن تبقي مدرستهم موصدة حتي نهاية الموسم الذي يصارع فيه الأب والإبن طلبا للقمة العيش فهل من حلول لهذه الظاهرة ؟؟؟