وجهة نظر غير مختص ..
تمهيداً لهذا الموضوع ، أستأذن في توضيح يتعلق باللجان البرلمانية الموريتانية عموماً لأقول إن المادة 64 (جديدة) من الدستور الموريتاني تنص على أن مشاريع واقتراحات القوانين تقدم بطلب من الحكومة أو الجمعية الوطنية، إلى لجان تعين خصيصا لهذا الغرض.
.
و تقول بأن المشاريع والإقتراحات التي لم يقدم بشأنها هذا الطلب، تحال إلى إحدى اللجان الدائمة في الجمعية الوطنية وعددها خمس لجان.
يتضح إذن من خلال هذه المادة أن الدستور الموريتاني يتحدث عن نوعين من اللجان هما : اللجان الخاصة و اللجان الدائمة و يحصر مهمة هاتين الفئتين من اللجان في موضوع مشاريع و اقتراحات القوانين .
و من هنا يتدخل الأمر القانوني رقم 92-03 الصادر بتاريخ 18 فبراير 1992 المتعلق بسير الغرفتين لينص في المادة 11 على أن النظام الداخليَّ لكل غرفة يحدد تشكيل و نظام التصويت الخاص بأعضاء اللجان الدائمة المنصوص عليها في المادة 64 منِّ الدستور.و من هنا يغتنم المشرِّع الفرصة ليخولَ هذا النظام الداخليِّ إمكانية إنشاء " لجان بالمناسبة " شريطة أن لا تتداخل صلاحياتها مع صلاحيات اللجان الدائمة الواردة في المادة 24 من هذا النظام.
و في المادة 29 من هذا النظام الداخلي يتم تحديد أنواع اللجان التي يمكن تعيينها على النحو التالي:
- لجان دائمة؛
- لجان خاصة؛
- لجان “بالمناسبة”؛
- لجان متساوية الأطراف؛
- لجنة للحسابات.
و بما أن صلاحيات اللجان الخاصة و اللجان الدائمة محددة سلفًا بموجب الدستور و تنحصر في اقتراحات و مشاريع القوانين فإن النظام الداخليَّ الذي اتخذ المبادرة في إنشاء لجان " بالمناسبة " ، جاء في المادة 39: من النظام الداخلي ليقرر بشأنها ما يلي:
[أولاً: للجمعية الوطنية أن تشكل لجانا “بالمناسبة” من أجل دراسة:
– قضايا متعلقة بالحصانة البرلمانية؛
– نظام الجمعية الوطنية؛
– التحقيقات البرلمانية .
ثانيا : ينتهي وجود اللجنة “بالمناسبة” فور بت الجمعية الوطنية في القضية التي أنشئت من أجلها ].
و من هنا تبرز لأول مرة كلمة " التحقيقات البرلمانية " ، فهل يمكن تكييف اللجنة البرلمانية للتحقيق على أنها لجنة " بالمناسبة " أنشئت من أجل التحقيقات البرلمانية ؟
لا أعتقد أن مثل هذه اللجان "غير الدستورية " جديرة بالاضطلاع بمثل تلك المسؤولية الجسيمة !!
هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فإن المادة 45 من الدستورِ الموريتاني تقول : "يمارس البرلمان السلطة التشريعية" و بطبيعة الحال تدخل ضمن ذلك مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العامة.و لكن الدستور الموريتاني الذي لم يكن صريحا في تحديد هذه المهمة لم يضع لها آليات لممارستها عكس القانون الفرنسي الأب.
و لاحقاً تأتي المادة 72 من الدستور لتُلزم الحكومة بأن تُقدم للبرلمان حسب الصيغ الواردة في القانون، "كلَّ إيضاحات تُطلب منها بشأن تسييرها ونشاطها".
و يظهر أن اللجنة البرلمانية للتحقيق التي نحن بصدد الحديث عنها أنشئت تطبيقا لتلك المادة من الدستور بتأويل مستساغ.
فلنسلم أنها كذلك ، فهنالك شرط يجب التقيد به وهو أن تقدم تلك الإيضاحات للبرلمان حسب الصيغ الواردة في القانون.
و إذا كان الأمر كذلك ، فمعنى ذلك أنها لجنة لم ترد في صميم الدستور خلافاً للجان الخاصة و الدائمة .
و ما دام الأمر كذلك ، فهل هي جديرة بالاضطلاع بمسؤولية بحجم طموحاتها الحالية ؟! سؤال موجه إلى الأخصائيين.
التجربة الفرنسية :
من المفارقات الغريبة أن الدستور الموريتاني الذي يقتبس من الدستور الجزائري الذي يقتبس بدوره من الدستور الفرنسي 1958 ، و يكاد يكون نسخةً طبق الأصل منه ، قد غابت منه المادتان الفرنسيتان 24 و 51 شكلاً و مضمونا و هما المادتان اللتان تتضمنانِ بصريح العبارة موضوع مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العامة و إنشاء اللجان البرلمانية الضرورية لممارسة مهام الرقابة و التقييم!تقول المادة 24 من الدستور الفرسي :" يقر البرلمان القوانين. و يقوم بمراقبة عمل الحكومة. و يقيم السياسات العامة" و تقول المادة 51 الفقرة 2 من ذات الدستور :" ولممارسة مهام الرقابة والتقييم المحددة في الفقرة الأولى من المادة 24 ، يجوز إنشاء لجان تقصي الحقائق داخل كل مجلس للقيام بجمع المعلومات وفق الشروط التي ينص عليها القانون.تحدد القوانين قواعدها تنظيمها وعملها. تحدد شروط إنشائها من قبل القواعد الإجرائية لكل مجلس ".
هذا و بالرغم من وجود لجان دستورية مهمتها تقصِّي الحقائق داخل البرلمان الفرنسي ، فإن الخلاف لا يزال محتدماً بين فقهاء القانون الدستوري هنالك حول إمكانية استدعاء رئيس الجمهورية - و لو كان سابقاً - من قبل هذه اللجان . و من أبرز حجج القائلين باستحالة ذلك اعتبار هذا الاستدعاء منافيًا لثلاثة مبادئ جوهرية هي : أولًا: فصل السلط ، ثانيا : اعتبار الرئيس ليس مسؤولاً أمام البرلمان و إنما هو مسؤول أمام الشعب الذي انتخبه ، ثالثاً : أنه ينافي المبادئ الديمقراطية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1948 (الذي يعلن كل من الدستورين تمسكه به في ديباجته).
و يقول هؤلاء أن قصارى ما يستساغ لرئيس الجمهورية أن يفعله هو أن يدلي بمحض إرادته بشهادته حول موضوع معيَّن دون أن يكتسيَ ذلك أيَّ طابع للمساءلة و لا تترتب عليه أية نتيجة.
و يبدو أن ذلك هو الهدف الذي تتوجه إليه حاليًا اللجنة البرلمانية الموريتانية للتحقيق و الله أعلم .
رحم الله السلف و بارك في الخلف.
من صفحة الإداري والكاتب محمدن ولد سيدي الملقب بدن