دقة - حياد - موضوعية

عاشوراء افريقيا: صوم ورماد على الوجوه وطبول تهز الكون

2018-09-23 05:10:58

نواكشوط ـ «القدس العربي» ـ قبل أيام كان العاشر من شهر محرم أي عاشوراء، وهو يوم مشهود في حياة ومعتقدات أمم كثيرة: يفرح فيه اليهود بنجاة موسى، وفيه الشيعة يلطمون ويبكون ويقومون بالتطبير أسى وأسفا على مقتل الحسين، لكن للافارقة الذين يعيشون في عالم آخر يختلط فيه الدين بالفلكلور الشعبي، عاشوراؤهم الخاصة التي يسمونها «تاجبون» والتي يحتفلون بها كل عام.

.

تصاحب عادة «تاجبون» في المناطق الافريقية من موريتانيا وفي عموم السنغال عادات وتقاليد معهودة في احتفالية تقام ليلة عاشوراء.
والغريب أن إحياء ليلة ويوم عاشوراء الذي هو مناسبة شيعية، إحياء خال من شعارات الشيعة ولا وجود فيه لذكر آل البيت حسب التقاليد المعمول بها في مناطق التشيع.
خرج الأطفال إلى الشوارع يوم عاشوراء وقد طلى كل واحد منهم وجهه بطلاء أبيض، وارتدى الأولاد فساتين البنات، بينما ارتدت البنات قمصان الأولاد، واندفع الجميع يردد أغاني وأهازيج دينية مصحوبة بقرع طبول صغيرة الجحم.
ويبدأ قائد المجموعة تقديم الأهازيج بآيات من سورة (النجم)، وبعد كل آية يردد الأطفال خلفه كلمة «ألاي» وتعني باللهجة المحلية «الله».
وبعد الانتهاء من الآيات القرآنية تكون هناك وقفة مع الرقص، تبدأ بعدها مباشرة الأغاني وفي مقدمتها أغنية خاصة بالمناسبة تقول كلماتها: «اليوم يوم عاشوراء، وغدا يوم عبادة الله».
تبدأ طقوس «تاجبون» مساء يوم التاسع من محرم وتتواصل إلى منتصف الليل، حيث ينتظم في جميع المدن والأحياء والقرى، المئات من الأطفال والمراهقين بوجوه مطلية بمسحوق أبيض، ويتوزعون إلى مجموعات تتجول وهي تنادي «تاجبون…تاجبون»، مع ضرب الدفوف والصراخ والتصفيق.
يقول المدون إكس ولد إكس إكرك واصفا المناسبة «كانت ليلة عاشوراء استثنائية في السنة بالنسبة لنا على الأقل، ففيها طقوس لا تقام إلا بها، فما إن يدنو حلول الشفق مساء التاسع من محرم حتى نؤوب إلى البيت ويجتمع شمل الأسرة».
وبالنسبة لطقوس الزنوج يقول «كان لنا جيران يرشمون أولادهم بالنار فتوقد أمهم الفرن، وتعمل في أجسادهم السكين رشومار».
ويضيف «من طقوس عاشوراء التوسعة على العيال ويكون الوالد فيها أريحيا، وتعد الأم نوعا من الكسكس له نكهة خاصة لا يقام إلا في عاشوراء ولا أزال أجد نكهته ولا يزال طعمه يجري على لساني رغم مرور السنين، إنه كسكس عاشوراء، وما إن يغيب الشفق حتى تبدأ جحافل تاجبون، تقرع الطبول وتجوب الشوارع، وهم يرددون (تاجبون ألاي.. تاجبون ألاَي) يطرقون أبواب المنازل، يحملون الأواني والأقداح وكل منزل يقدم هدية على مقداره من نقود أو طعام أو حلوى».
ويصف المدون طقوس نساء الزنج فيقول «الكوريات (الزنجيات) يلبسن لباس الرجال ويطلين وجوههن بمسحوق أبيض، ومن أهل تاجبون، من يضع أقنعة مخيفة، ولحى وشوارب مستعارة».
تجمع حشود «تاجبون» الطعام وما جادت به الأيدي من المال وتمتلئ المدينة بالصراخ وقرع الطبول، وكأن القيامة قد قامت وكأن الواقعة قد وقعت.
بعد اختتام الجولات تبدأ الحسابات حيث يسلم كل واحد ما حصل عليه من مال وطعام ويتولى رئيس مجموعة عاشوراء توزيع ريع عاشوراء بين نشطاء المناسبة.
يقول ممدو صار وهو مؤذن مسجد في عرفات بالعاصمة نواكشوط وأحد المهتمين بتاجبون «من لم يشارك في هذه التظاهرات قد لا يعيش إلى محرم المقبل، أما من شارك فيها بنفسه أو بماله ومن ردد شعار تاجبون.. تاجبون، فإن عمره سيمدد حتما حسب مأثوراتنا».
في منتصف الليل تهدأ التظاهرة ويعود كل واحد إلى ذويه، ويتجمع أفراد العائلات حول الوجبة الخاصة بعاشوراء وهي وجبة الكسكس الافريقي مع مرق اللحم… بهذه الوجبة الخاصة يوسع أرباب الأسر على عيالهم ليلة عاشوراء وبذلك تتسع الأرزاق في العام الهجري الجديد.
هذه المناسبة كانت تمر كل عام على الموريتانيين من دون أن يشعر بها أحد ليس لعدم اهتمامهم باستشهاد السيد الحسين السبط، وإنما لأن مذهب السنة هو السائد هنا. فيوم عاشوراء يوم خاص يحتفى به لكن بطريقة تعبدية تجمع بين الصوم والصدقة وصلة الرحم.
ومن طقوس هذا اليوم الغريبة تقليم الأظافر ومسح رأس اليتيم وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلوات أخرى.
ويحرص الموريتانيون في يوم عاشوراء على تفقد أمتعتهم ومخازن معاشهم ليعدوا من ذلك إكراميات وهدايا توزع على الجيران، وهذا التفقد تتولاه المسنات كالجدات، وهو تقليد يشير للتكافل ويؤمن للأسر التي تتفقد مخازنها امتداد الأعمار إلى محرم المقبل.
وبينما كان سكان الأحياء يحيون عاشوراء بالفولكلور وبالأساطير، كان بكار بن بكار زعيم شيعة موريتانيا، يحيي هو الآخر ليلة عاشوراء
في مقر حوزته الشيعية في العاصمة نواكشوط ليس بالرقص والأغاني لكن على شكل مأتم حسيني شيعي يكسوه السواد

تابعونا على الشبكات الاجتماعية