دقة - حياد - موضوعية

بعيدا عن القلب: المويتانيون هجروا القومية العربية

2018-07-18 03:12:53

هل يمكن تخيّل المشاهد المغاربي يحمل بين يديه الرّيموت كنترول ويغيّر إلى فضائية من فضائيّات موريتانية؟ هل قادنا الفضول لمعرفة الشّبكة البرامجيّة المسطّرة لرمضان في موريتانيا، كما ننتظر ذلك في عدّة فضائيّات عربية أخرى كل سنة؟

.


أين تقبع موريتانيا في وجداننا المغاربي، وفي جسم المغرب العربي، أو المغرب الكبير، أو أيّ تسمية ترضي غرور الأيديولوجيّات النّاشئة كالفطريّات فوق جسد القوميّة العربيّة المتآكلة؟

كادحون… من العروبة إلى اليسار

هل عروبة موريتانيا لا تحتاج إلى دليل، وتكفينا ويكيبيديا لإعلان خبر عروبتها؟ أسئلة محرجة في عالم متغيّر يقول إن العالم قرية صغيرة، لكن موريتانيا عزلتها العولمة في جزيرة رمليّة ارتاح لبعدها الأقارب والجوار قبل الأباعد. بالصّدفة تابعت برنامجا على الفضائية «شنقيط»، حول موضوع الكادحين، مدته 42 دقيقة و49 ثانية، إعداد وإشراف خديجة بنت عبد اللهيبيّن الوثائقي أنّ القوميّين الموريتانيّون تخلّوا عن ايديولوجيّة العروبة مبكرا عام 1968، وارتموا في حضن اليسار…هل هذه المغادرة المبكّرة اضعفت عروبة موريتانيا؟ أم هي نتيجة حتميّة لتاريخ البلد الذي خرج من النّكسة بسرعه، حتى يجد ضالته في ايديولوجية أخرى أكثر انتشارا وسطوة وفعاليّة في زمن التحرّر… للتحرّر الدّاخلي أوّلا، باعتبار أنّ الكدح متواصل مشكّلا ومقولبا حقوقيّين وحقوقيّات وصلوا لأبواب نوبل بمواضيع متفجّرة كالدّيناميت تزعزع قناعات المجتمع التّقليدي، وتضع اليد على الجراح غير المندملة.

برامج «البيضان» و«السودان»
وما بينهما الوردي: الخيمة لاتسع الجميع

بين الفينة والأخرى تطرح قضيّة شائكة كقضّية الحراطين، قدامى العبيد، من خلال ما يسطّر من برامج أو دراما أو سياسات تنموية وغيرها، وهذا لطبيعة المجتمع الموريتاني، الذي ما زال مرتبطا بالنظام الاجتماعي التقليدي، ومتشبثا بقيم القبيلة ودرجة سطوتها، والتي ما زالت تلعب دورا حاسما في سياسة البلد… القبيلة أصبحت خطرا يهدّد التّطور البطيء، الذي طال مؤسّسات المجتمع الموريتاني، من أجل تحقيق تلاحم وطني ينبذ كل عناصر التّفرقة، والتّشرذم والعنصرية المقيتة… لكنّ سرعان ما تتعثّر المساعي وتصطدم بتصوّرات صلبة عن الأصول النّبيلة والشّرفية وغيرها من القضايا، التي ما تزال قابعة في المخيال الشّعبي البدوي.
يحاول الخطاب السّياسي خلق مجتمع منسجم أو يراد له أن يكون كذلك من خلال استراتيجيّات ثقافيّة، مثل مشروع العودة الى التّراث المشترك واحلال قيم المساواة لحلّ معضلة التّفاوت القبلي والألسني واللّوني، والتقليل من سطوة مجتمع قبلي على آخر تحت حجج وذرائع متعدّدة، ولا سيّما قضية «الحراطين»، التي ما زالت تطرح داخليا وخارجيا… وبرنامج الناس بيظان .. والديكه ماه خلاكه، الذي بث على قناة «الموريتانية» مؤخرا دليل على اشكالية تاريخية وثقافية لم تحسم بعد، إذ أنّ الكثيرين عابوا على البرنامج أنّه مستفزّ لباقي الأطياف المشكلة للمجتمع الموريتاني. يتوزع المجتمع الموريتاني بين العرب، الزوايا، «الحراطين»، المعلمين وازناكه من جهة، وبين فلاّن وولوف وسوننكي من جهة أخرى.. لكن تراث أي قبيلة وأي مجتمع، يراد له أن يكون مشتركا بين الجميع؟ إنّ التّراث متعّدد متفاضل غير متسامح بالمرّة، عكس ما يريد السّياسيون وسدنة التّراث أن يوهموا به الشّعوب.

إعلام قبلي وإعلام وطني… اشكالية البرامج الموريتانية

هل بامكان الدراما والبرامج التلفزيونية ادماج الموريتانيين كافة من مختلف انتماءاتهم وايديولوجياتهم وألوانهم وألسنتهم تحت هوية واحدة، حسب السلم القيمي والسّلطوي التّقليدي؟
قد يرفع الحظر على البرامج التّرفيهية الّساخرة، لأنها تمثّل مرحلة الطّفولة والسّفه عند الكبار وأصحاب السّلط المجتمعية المختلفة، لذلك يرفع قلم عنها حتى تبلغ فنيّاهكذا تواصل هذه البرامج ملامسة جوانب مسكوت عنها وبحذر، ورطة وراء ورطة، لكنّها لا تتورّط في شيء… ورطة في ورطة إخراج بابا ولد ميني، بطولة اعمر ولد كي، على قناة الموريتانية والوطنية.

«الطّافلات»… خارج «التبلاح» والتبراع

على قناة «الوطنية» بث برنامج «الطّافلات» لعدة مواسم وهو يعالج قضايا مجتمعيّة راهنة، كالزّواج السرّي، الفيسبوك، زواج الأقارب… في جلسة تقليديّة بديكور جميل، صالون مغربي أو موريتاني سيّان، فتيات بألوان الملحفة الزاهية الألوان وبتقليعات موضة الأقمشة التي لا تنتهي… وفي كامل أناقتهن وزينتهن… هل خرجن بذلك عن الأعراف والتّقاليد ومعايير الأناقة في المجتمع الموريتاني؟
برنامج خفيف يناقش مواضيع قيل إنها متعالية على الواقع ولا يناقش قضايا تمس الأكثريّة المهمّشة، التي تعيش حالات الفقر، وهو مناقض للتّقاليد الموريتانيّة لما تتناوله الموضوعات من علاقات الرجل والمرأة علنا وعلى التلفزيون…. ولكون المناقشات بعيدة كل البعد عن انشغالات المجتمع العميق كأنّها «نقاش عن موضوع البلوح في المجتمع السويسري. اللّباس معياري ومحتشم كما تلبسه أيّ امرأة، مهما كانت مكانتها، والمكياج سواء كان تقليديّا أم من «إيف سان لوران» هو زينة تتغيّر بتغيّر قيم الاستهلاك، وإلاّ هل كان سيسمح للطّافلات بتقديم برنامج على فضائية، لولا تغيّر العقليات والمجتم؟
الطّافلات، لسن بدينات، ولسن بشاعرات يذهبن مباشرة الى الهدف والذي يكون مباشرا وجريئا… بل كنا يتكلّمن بلغة معياريّة لغة العصر، التي لا ترق بمضامينها الحيّة الى الحسانيّة الابداعيّة، ومع هذا انتقدن على أنّهن يروّجن لقيم مغايرة للمجتمع بالرّغم من أنّهن لم يصلن لدرجة القول:
«
حبك ذا الطاري…. ثابت رواه البخاري»
الشُّوفَه تُوفَ… الصلح خير إعلاميا.
لا تكتمل المشاهدة إلا إذا غنينا الصلح خير وبنتصالح… حال برنامج «الشوفه توف» على قناة الموريتانية العامة… العمل ليس برنامج مواهب، بل برنامجا للصلح ودرء الفتن بين أعضاء المجتمع، يتم استدعاء أحد المتخاصمين، ليعبّر عن المشكلة التي أدّت إلى مقاطعة الجار أو القريب، لسبب أو لآخر، وقد يكون المتخاصمان من عامّة المجتمع أو من المثّقفين والنخب، ويكون رجل دين حاضرا دائما، نفسه، ليبيّن أهمّية صلة الرّحم وعقوبة من يلحق الضّرر بالآخر، سواء بالنّميمة أو قطع الأرحام…الخ
لتنتهي المسألة بكل هدوء وكأنها تمثيل في تمثيل… لكن البرنامج يصبّ في ازالة الخلافات في مجتمع غير منسجم تاريخيّا.

جلسات المدح… خيمة خاصة جدا جدا

منذ سنوات تقام خيمة المدح على فضائية «شنقيط» الخاصة، التي تبث برامجها من الخارج، والتي يملكها أحد أقارب الرّئيس السابق مختار ولد داده… خيمة تصدح بمدح المصطفى عليه الصلاة والسّلام، من تقديم تكبير منت الميداح، والتي تعتبر من أشهر عائلات المطربين في موريتانيا.
لا يمكن أن يدخل خيمة المدح سوى طبقة الفنانين، الذين يطلق عليهم في السابق «اكاون»، والذين كانوا يلازمون شيوخ القبائل والأمراء يغنون بطولاتهم ومآثر قبائلهم، وكانوا يشكّلون الوسائط بين مختلف الفئات، وكان يحسب لهم ألف حساب… تغيّرت مكانتهم وفقدوا بريق وظيفتهم الاجتماعيّة، وازدادت النّظرة الدّونية تجاههم، وهاهم في خيمة لها بريقها في ظلّ سياسة تحاول ازالة كثافة التاريخ وتشدّد الهرميّة الاجتماعيّة… في مجتمع يحسب على الممثّل أنفاسه، لكن يتسامح مع الفئات التي تسامح معها المجتمع التقليدي، لأنّها في الدرجات الدنيا من الهرمية الاجتماعيّة. موريتانيا السابحة في الرمال والمياه، قد ضربت مثالا في حريّة الاعلام لم تصل اليه العديد من الدول العربيّة، لكنّها لم تستطع الخروج من شرنقة الرقابة القبلية… فالقبيلة أصبحت خطرا محدقا بالعديد من الدول التي استماتت في الخروج من جلباب القبيلة الكثيف للمواطنة، لكن هاهي تعود والعود قد لا يكون أحمدا.

مريم بوزيد سبايو

كاتبة من الجزائر

تابعونا على الشبكات الاجتماعية