دقة - حياد - موضوعية

محمد فال ولد عبد اللطيف.. عبقري يمقت الأضواء(بورتري)

2017-11-02 05:17:52

حديثنا اليوم عن رجل عز نظيره؛ جمع بين الصلاح و العلم والفهم والتواضع والظرافة.. إنه الأستاذ الإداري الأديب محمد فال المكنى (بَبّاهْ) ولد عبد اللطيف ولد الشيخ أحمد الفالي.

.

والدته تسلم بنت محمدفال (بَبّاهْ) ولد زياد كانت إمرأة صالحة عابدة زاهدة في الدنيا و أهلها لا يخلو مجلسها من الفكاهة
و قد حكى لي بباه أنه لما تخرج و قدم من فرنسا جاءها فقالت له "أيو انت اشلاه اتعود" فقال لها "عدت انكد انعود حاكم ولل والي " فقالت له "إنشلل احولوك شور الدوشلية يكانك اتعود اكريب"
ولد عام 1952 في مقاطعة المذرذرة وتلقى تعليمه الابتدائي هناك، ثم الثانوي في روصو عاصمة ولاية الترارزة حيث حصل على البكالوريا (شعبة الفلسفة) ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة في انواكشوط ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة (السلك الطويل
) وتخرج فيها بشهادة متريز في العلوم المالية.
بدأ العمل الإداري حوالي سنة 1975 واليا مساعدا لولاية لبراكنه تحت إمرة العقيد (الرئيس لاحقا
) المصطفى ولد محمد السالك الذي كان واليا هناك، وبعد فترة خبر فيها العمل الإداري صدر في بيان مجلس الوزراء تعيينه حاكما مركزيا لانواذيبو، أيام حرب الصحراء، لكن العناية الإلهية تدخلت لصالحه فعدلت السلطات العليا عن قرارها قبل أن يبرح ألاگ، وعينت هناك غيره، وعينته هو حاكما لمقاطعة مقامة. كما عمل واليا مساعدا بالحوض الشرقي، وفي عاصمته ألف كتابه المشهور فتاوي الشياطين. وقد ضمّن جانبا مهما من تجربته الإدارية كتابيه: الوالي المساعد، وحاكم مقامه.
بعد ذلك عمل في ديوان وزير المالية، ثم مديرا للشؤون السياسية في وزارة الداخلية، ثم مديرا للجماعات المحلية، ثم مستشاراً في نفس الوزارة، ثم مستشارا للوزير الأول. كما عمل أمينا عاما لوزارة العدل فترة تعاقب فيها عدة وزراء، وعمل أستاذا بالمدرسة الوطنية للإدارة. وشارك في عدة لجان وطنية وملتقيات دولية
.
من مؤلفاته سوى ما سبق
:
-
ديوان الجذاذات

- ديوان حمر النعم في مدح خير الأمم.
-
موجز الأخبار في أنساب المهاجرين والأنصار

- رسالة الفيش بين كسكس والعيش.
-
بلوغ الأمل في زيارة باريس وبروكسل
.
-
الرسالة الزبلية
.
إمتاز بباه بجزالة الشعر و طرافته و سنورد بعض أشعاره
:

يا أيــــها النـــاس مــن دان ومن قاص *** مــــمن يمـــــيز بين الـــــســـت والآص
عندي لــكم ـ فاسمــعوها فهي نافعة*** نصيـــحة من حـــريص غــير خــــراص
ســـيروا على منهج من أمركم وسط *** لا يـــأكل الذئـــب إلا الشــارد القاصي
صلوا مــــع الناس ما صـــلوه من جُمَعٍ ***في خــــيــم قد أقيـــمت أو بأخصـاص
وارضوا لهـــم كـــل ما يرضون من عمل*** واستحسنوا كل ما جــاءوا من أرهاص
إن المـــــــراتب لا تصــــطاد هينـــــــة *** أعــــيت عــــلى كل “دَرَّاس” وقـناص
فبصــــبصوا لـــــذوي الأقــــدار تنتفعوا*** منـــهم وتحــــظوا بــــرمــــان وإجــاص
نَيَـــــاشِنُ المـــــجد لا تـلفى معــلقة ***على مــــناكب كــــلب غــــير بصباص
قــــوارص النــصح في الآذان مــــؤلمة*** فقــــدموا نصــــحكم في شكل أقراص
بل لا أرى النــــصح مــحتاجا لــه أحد*** مـــما نراه مــــن أعــــلام وأشـــــخاص
فالـــــناس إما ســــــعيد سوف تدركه*** عنـــــاية الله فــــهو الــــمؤمن العاصي
أو غــــافل ليس بالإخــــلاص معــتنيا*** لأنــــه يعــــبــــد الــــدنيا بـــــإخـــلاص
أو فاجــــر أرذلٍ غـــــاصــت رذيـــــلته *** فــــيه فـــــكانت كـــــــفـــخار بــغواص
والوعــــظ إن دام لـــــم تنــفع زواجره ***في ثـــــلة مــن أدا القُصَّـــاص غُـصَّاصِ
أشياء جــــربت في المــــيدان صحتها***لا يــــعــــرف البـــاص إلا راكـــب الباص
ويقول في أخرى:

إن كنت تســأل عن حالي بإيجاز *** فاسمع فدونك عنه مــوجز جاز
إني امرؤ من بني البيظان من فئة *** قد أسست في المعالي "فخرها الرازي"
من معشر عرفوا بالحلم مُذ عُرفوا ***والعلم مَرَّ عليهم غير مُجتاز

صُم وبكم وعُمي لا يهزهم *** جهل لجهل ولا همز لهماز
منهم أنا غير أني لست مثلهم *** ودون إنجازهم في المجد إنجازي
فلم أقدم من الأعمال محمدة *** بها يؤسس تبريزي وإبرازي
رويت من لغة الإفرنج عن عطش *** حتى تضلعت من مشروبها "الغازي"
كما تعلمت ألغازا أفُك بها *** ما في الإدارة من سر وألغاز

فوقي وتحتي ولا أمتاز عن أحد *** بشيء إلا بكوني غير ممتاز
وفِيَّ عيب فإني غير منفتح *** ولا أفرق بين الجرك والجاز
وعيب آخر أني لا تُنهْنِهُني *** دراعة "الأزبِ" عن دراعة "الگازِ"
ولست مدعيا شيئا يكلفني *** ما لا أطيق على جهلي وإعوازي

أكُرُّ ما دامت الأحوال هادئة *** لكنْ أفِر إذا ما صرصر البازي
لكنني غير منحاز إلى أحد *** ما لم يكن للمخازي غير منحاز
من يرضني هكذا إني لحائزه *** ومن أبى ليس من شكلي ولا "حازي".
وعنه يقول أستاذي و صديقه الأستاذ محمدُّ سالم ابن جدُّ
:
ينزل المطر من السماء فتسيل الأودية بقدرها كما في الذكر الحكيم، ويكتب صديقي الفاضل الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف فيمتع قراءه ويفيدهم على اختلاف مستوياتهم دون أن يشعر صَفٌّ منهم بالغبن؛ وهي موهبة لا أعرفها لغيره من كل من قرأت لهم على كثرتهم وتنوع أساليبهم ومجالاتهم واختلاف حقبهم وبلدانهم ومشاربهم
.
في المقال الواحد – أو القصيدة الواحدة- يعبر ولد عبد اللطيف عن مضامين قد لا تتفق بالضرورة، مع انسجام تام في كل منها على حدته، فيمتع صنوفا متباينة من عباد الله؛ وكل منهم يرى أنه أحاط بما توخاه الرجل! كما تجمع الرحلة الواحدة بين مستويات مختلفة تناسب أصنافا مختلفة من المسافرين، ومع ذلك فهم – في ظاهر الأمر- انطلقوا معا ووصلوا معا، إلا أن هؤلاء يشعرون بالفرق وقراء كاتبنا الكبير قليل جدا منهم من يشعر بالفرق
!
أو لأقل - إذا أردت التفصيل والإيضاح- إن القارئ البسيط يجد أفكارا واضحة تنساب بسلاسة على متون عبارات واضحة الدلالة فيخرج بنتيجة طيبة، والقارئ المتوسط يستمتع – زيادة على ذلك- بالأسلوب المميز وبعض الومضات المحيلة إلى معارف وحوادث ونوادر مختلفة فيقف على شرفات المقال مسرحا فكره في الآفاق التي فتحها له الكاتب المقتدر
.
فئة ثالثة تستمتع بكل ذلك وتلذه، لكنها لا تنشغل به؛ بل تتجاوزه إلى رموز غنية لا يدركها الغبي ولا يحوم حولها، فتغوص على درره وربما تعيد القراءة استبيانا لإيماءة هنا أو خبيئة هناك، لتخرج بما تراه المعنى الحقيقي الذي توخاه الكاتب
!
ورغم ما للرجل – حفظه الله- من ميزات بين فرسان البيان وأرباب القلم فإنه يختص بميزتين عمن عرفتهم من الكتاب
:
1.
مهما تفطن قارئه ومهما انتشى بالظفر بمكنونات معانيه فإن ثمة ما لا يمكن فهمه على نحو كامل إلا لمن عرف الكاتب وخالطه على نحو شخصي؛ يستوي في ذلك شعره ونثره
.
3.
من المسلّمات لدى سدنة الأقلام أن من الغباء أن يطيل الكاتب إذا كان يعرض رأيه؛ لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، لكني وجدت محمد فال استثناء من تلك القاعدة! فعلى سبيل المثال ربما طالعت مقال رأي له يقارب صفحة كاملة من جريدة ("منتدى الشعب" مثلا) وعند ما أصل إلى نهايته يفاجئني انتهاؤه لأن أفكار الرجل وأسلوبه حجبا عني طول مقاله ففرغت منه دون أن أشعر
!
(
لكي نفهم الأدب ص 73 – 74
).

من صفحة الكاتب الكبيرالبراء ولد محمدن

تابعونا على الشبكات الاجتماعية