دقة - حياد - موضوعية

رحيل الوالد احميديت خسارة للوطن والاخلاق والقيم (تأبين)

2022-11-26 06:33:36

برحيل الوالد أحمد ولد ببها الملقب (احمديت)، فقدت موريتانيا أحد أشهر بُناتها وأبرز المساهمين في تأسيسها إذ كان من الرعيل الأول من الموظفين الذين قدموا المثال الحسن لخدمة الوطن والذود عن حياضه ورسموا الطريقة المثلى للتعاطي مع شؤونه العامة.

 وقد تقلد المرحوم العديد من الوظائف الأمنية والإدارية التي ظل خلالها سفيرا  للدين والأخلاق والقيم، ولا غرو  فهو سليل قاضي القضاة محمذن ولد محمد فال (امّيَيْ): رمز الصدق والعبادة والفضل  والمكارم.

كي لا أطيل، وبهذه المناسبة الأليمة، أستطرد هنا حادثة بسيطة وعادية لدى الفقيد ومحيطه، لكنها تحمل الكثير من الدلالات على التسليم  المطلق بقضاء الله وقدره (مد الركبه الملانه)، والتخفيف من ثقل الحياة وتتفيه أمور الدنيا،  فضلا عن الكرم ورباطة الجأش.

كان المرحوم أحمد يتولى منصب حاكم مقاطعة أوجفت، بولاية آدرار،  في زمن كانت فيه الاتصالات شبه معدومة داخل البلد. وكان الحصول على  مذياع (جهاز راديو) لمتابعة الإذاعة الوطنية (الوسيلة ربما الوحيدة للاتصال) من نصيب الحكام والمحظوظين وكبار الميسورين. وكان لابد من مد أسلاك طويلة مع المرتفعات المجاورة لدار الحاكم بمدينة أوجفت للتمكن من التقاط بث إذاعة موريتانيا التي لا يتوفر عليها سواه في المدينة، وبالتالي كان أغلب وجهاء المدينة وكبار رجالها يجتمعون لديه كل ليلة لمتابعة الأخبار.

وفي إحدى تلك الليالي، بدأت الإذاعة، قبل نشرة الأخبار، بنعي أحد كبار علماء وقضاة البلد. واستطردتْ في ذكر فضله وعلمه. إنه المرحوم "امّيَيْ". ورغم أن الخبر كان مفاجئا  للمرحوم أحمد، إلا أنه لم يغير من طريقة جلوسه أو حديثه مع الضيوف. وواصلت الإذاعة في تعداد فضائل  ومكارم "اميي"، فأدرك ضيوف  الحاكم أحمد  أهمية هذه الشخصية الكبيرة  التي فقدتها موريتانيا، فبادروا بسؤاله عنها،  فرد  باختصار: "إنه أحد زوايا الكبله" وواصل الحديث مع ضيوفه، وكأن شيئا لم يكن،  إلى أن تناولوا العشاء وشربوا الشاي.  وبعد انصرافهم، طلب من السائق تجهيز السيارة للسفر إلى ابّير التورس.

وفي الصباح، تفاجأ أصدقاء الحاكم بغيابه، ليعلموا بعد ذلك أن العالم والقاضي الذي تم نعيه هو والده: محمذن ولد محمد فال (امّيَيْ).

هذه القصة تذكرتها، بكل تفاصيلها، عندما علمت برحيل الوالد "احمديت" حيث كنت، قبل ساعات قليلة من فقده، على اتصال  عبر الواتساب بالأخ والصديق ببّها، وكان يتفاعل معي بطريقته المعهودة دون أن ألاحظ أي شيء وكأن ابير التورس، وإكيدي، وموريتانيا لم تفقد احميديت، وكأنه هو نفسه لم يفقد والده المباشر. لقد استنسخ في نواكشوط قصة أوجفت بكل دلالاتها، لأن هذا الشبل من ذلك الأسد، ولأن "مَنْ يُشابه أبَه فما ظلم".

إنهم قوم من طينة أخرى، قوم أنعم الله عليهم بقوة الإيمان، فأصبحوا يستقبلون القدَر بتسليم الصالحين ورضا العارفين بالله، "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هُدًى".

امربيه ولد الديد

 

تابعونا على الشبكات الاجتماعية