دقة - حياد - موضوعية

طاغيتان وحضارة لا تنبطح/ بقلم محمد فال ولد سيدي ميله

2025-06-15 15:51:26

قبل أكثر من 500 سنة على ميلاد الفيزيائي الفلكي الإيطالي كاليلي، كان نابغة الرياضيات والفيزياء والفلسفة والفلك، العالم الفارسي أبو ريحان البيروني، قد تحدث عن دوران الأرض حول محورها ضمن اكتشاف مذهل كان له ما بعده من صياغات جديدة لفهم الحركة والجاذبية. ليس من المبالغة القول ان الحضارة الفارسية أنجبت أعظم الفلاسفة والفيزيائيين والجيولوجيين والشعراء ذوي الإبداعات العالمية التي أثرت في الأدب الإنساني والفكر البشري برمتهما. إن محاولة إسرائيل لتركيع إيران، بدعم صريح من اليميني المتطرف دونالد اترمب، ليست إلا جزءا من حملات قديمة استهدفت هدم أكبر إرث إنساني، علمي وأدبي، ساهم في تطوير المعمورة وتنقية ما كانت ترزح تحت نيره من شوائب التخلف. لا يمكن أن تكون نية الإيرانيين في بناء منظومة دفاعية نووية مبررا مقبولا لهذا العدوان الظالم، لأن إسرائيل تمتلك المفاعلات النووية وترفض الانضمام لمعاهدة حظر الأسلحة النووية!!، وبالتالي فالسببان الحقيقيان يكمنان في:

·       العمل الجاد بغية هدم أية قوة يُحتمل تهديدُها للكيان المدلل: المغتصب علنا، والمنتهك لحقوق الانسان على مرأى العالم بأقصى ما يمكن تصوره من الوقاحة.

·        وطمس معالم حضارة قديمة كانت إسهاماتها العالمية مشهودة في الفلسفة والرياضيات والفلك والجغرافيا والطب والسياسة والأدب...

غير أن قاتل الأطفال نتنياهو، وقاتل القانون اترمب، لا يفقهان أنه لن يكون بمقدورهما قتل المكانة الوجودية للفيلسوف الفارابي في كتب التاريخ، وأنه من المستحيل عليهما، مهما تغطرسا، أن يمحوّا الأثر العلمي للجرّاح العظيم أبي بكر الرازي في موسوعات كليات الطب، وأنهما لن يقتلعا من معاجم الشخصيات العلمية التاريخية صورة أبي الطب الحديث العلامة ابن سينا، وأنهما، مهما طغيا وتعجرفا، لن ينزعا من تاريخ البشرية أدوار الفلكي، عالم الرياضيات، والشاعر عمر الخيام.. إلى آخر قائمة تنوء بحملها الكتب الرصينة.

إن على الطاغيتين المتطرفين أن يعِيا أن الثورة ضد الظلم من الشيّم الراسخة في تاريخ الفرس، فقد ثاروا على قتلة سبط النبي محمد (صلع)، الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، فلم يرضوا بالتمثيل بجثته الطاهرة جهارا وحمل رأسه من كربلاء إلى دمشق هدية للفاسق الدكتاتوري اليزيد بن معاوية، كما رفضوا البطش بآل البيت وإهانتهم العلنية في قصور ملوك الدول التي حولت الإسلام إلى سبايا وأملاك قبلية. ولعل ثورتهم على عميل الامبريالية الغربية، الشاه رضا البهلوي، تظل شاهدا على أن حضارة فارس ما تزال ترفض التنازل عن سيادتها ومجدها.

مهما يكن، فإن الحرب الدائرة حاليا، بين عرّابَيْ العنصرية، ومصّاصيْ دماء الحوامل والأطفال، نتنياهو واترمب، من جهة، والدولة الإيرانية من جهة أخرى، ستجعل العالم شيعة، إنْ لم يكن بالمذهب فبالهوى، خاصة جماهير الأحرار ونُخَب الرفض، يستوي في ذلك السنيون المسلمون، ولبروتستانتيون المسيحيون، والسيخ، والهندوس، واللاأدريون... إن العالم مُجْمع اليوم على أن إسرائيل تسعى لجعل "الآخر" حمارا لا يجيد غير النهيق، وأن أمريكا اترامبية تساعدها، جهْرًا، في تحقيق هذا الهدف الذي تأباه حتى جثث الأموات. لذلك أصبحت المعاناة، في عهد هذين الدموييْن، مشترَكة بين الأمم والأديان والثقافات.. فالقنوات ووسائل التواصل جعلت البشر، أينما كانوا، يتألمون لكل جرح ينزف دون مبرر.. إنه "الألم المشترك" الذي ذكره الشاعر الإيراني الراحل أحمد شاملو حين قال:

لستُ قصة تقرأها

ولا نغمة تغنيها

ولا صوتا تسمعه

ولا شيئا تعرفه...

أنا الألم المشترك.

تابعونا على الشبكات الاجتماعية