دقة - حياد - موضوعية

الجيم والضاد / سيدي محمد XY

2021-04-06 05:29:01
أفرد الدكتور محمد المختار بن اباه حفظه الله في كتابه (تاريخ القراءات في المشرق والمغرب) فصلا كبيرا للخلاف حول الجيم والضاد في المنتبذ القصي تاريخِه وأسماء العلماء الذين خاضوا غَمرات البحث فيه. .
فتحدث عن معركة الجيم في الكتاب من الصفحة 667 إلى الصفحة 721، وتحدث عن قضية الضاد من الصفحة 723 إلى الصفحة 752.
وقد كان أهل المنتبذ القصي جميعا - عملا بما عليه كثير من أهل الغرب الإسلامي - يقرأون بالجيم الرخوة المتفشية حتى أوائل القرن الثاني عشر الهجري حين سافر الشيخ سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي إلى الحج وأخذ في طريق عودته الجيم الشديدة عن سيد أحمد الحبيب اللمطي من علماء سجلماسة و ألف كتابا يدعو فيه إلى الأخذ بها فأحدث بذلك خلافا حادا وسجالا مع علماء المنتبذ خاصة بينه وبين سيد محمد بن الطالب الحبيب بن أيده الأمين الجكني نتج عنه ماعرف ب "الجيم التنواجيوية" وهي الشديدة و"الجيم المسومية " وهي الرخوة.
ومع مرور الزمن صار الخلاف جهويا فأهل "الگبله" يقرأون بالمتفشية وأهل "الشرگ" يقرأون بالشديدة.
و كان شيخ الشيوخ العلامة المختار ولد بونَ الجكني يقرأ بالجيم المتفشية أو الرخوة في "الگبله" رغم أنه نص على أنها شديدة فى احمراره وطرته ، وحين قدم المختار تگانت صار يقرأ بالشديدة فسئل عن ذلك فقال: لاتمكن مخالفة ابن الحاج ابراهيم مادمنا في تـگانت.
والشدة يعرفها سيبويه في الكتاب بأنها: امتاع الصوت أن يجري فى الحرف عند النطق فتقول الحق والحج مثلا فلو رمت مد صوتك فى القاف والجيم وغيرهما من حروف الشدة لأمتنع وحروف الشدة ثمانية تجمعها كلمة "أجدت قطبك".
وفى سواها الجهر والشدة في :: (أجـدت قطبـك) ثمـان أحـرف
وقال ابن الأنباري: ومعي الشدة أنها حروف صلبة لايجري فيها الصوت ولذلك سميت شديدة.
وكان الشيخ التقي ولد بلا متعصبا للمتفشية وكان يقول عن أهل الشديدة هاذو الخلطة ما اتلاو يكون اگراو الشعر بالجيم السودانية.
وكان أولاد ديمان من أنصار الجيم الرخوة وكانوا يقولون لأنصار الشديدة عنهم هوم بعد يختيرو يدخلو الجنة عن الچنه ويعرفُ املي عن امرئ القيس گال سجنجل ولم يقل سچنچل.
وكان العلامة يحظيه ولد عبد الودود "اباه" من أنصار الجيم الرخوة وكان تلميذه النابه ممو ولد عبد الحميد من أنصار الشديدة وهي أول مسألة يخالف فيها شيخه.
وعند عودة العلامة الشيخ محمد فال بن بابَ العلوي (اباه) من رحلة الحج أشاع القراءة بها قريبة من الظاء المألوفة خلافا لما عليه أهل المنتبذ آنذاك وقد أخذها عنه الشيخ سيديا باب وألف عنها رسالة وأخذ بها تلامذته وذووه كأبنائه وأبناء أبي مدين.
يقول سيبويه: بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج للضاد ، وهو قول ابن مالك والسيوطي، وقيل لاينطق بالضاد والحاء غير العرب.
وقيل لايخرج من موضعها غيرها ، وذهب الخليل إلى أن الضاد شجرية من مخرج الجيم والشين وعلى هذا يشركها غيرها فيه.
وقال أبو حيان خروج الضاد من الجانب الأيسر عند الأكثر والأيمن عند الأقل. ويحكى أن عمر بن الخطاب كان يخرجها من الجانبين معا.
ويدل كلام سيبويه أنها تكون من الجانبين.
ويقول العلامة الشيخ محمد فال ولد باب (اباه)
لاتجعل الضاد كدال أوكطا :: وليس جعلها كظاء بخطا
ويرى العلامة محمد سالم ولد عدود أن الأولى إن لم يستطع الإنسان نطقها أوعسر عليه ، أن ينطقها ظاء.
وكثيرا ما سمعنا الإمام الأكبر بداه ولد البصيري وهو يجتهد بجهد ملحوظ لضبط إخراجها من مخرجها.
وقال الشيخ أحمد بن الداه بن أحمدو بن محمد الباقر الديماني الفاضلي مخاطبا شيخه محمدفال بن باب بن أحمد بيبَ:
ذي الضاد جدت لها ياحاتم الطائي :: بمنطق صانها عن منطق الطاء
لكن تصول عليها الظا فدونكها :: لم أستطع منعها من صولة الظاء
وذكر العلامة الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله أن احد تلامذة والده من الحسنيين كان يقول (ضاد محمد عالي منين توكل لخريف الجاي تعود ظاء).
والضاد من أصعب الحروف، بحيث يتعذر النطق بها إلا بالرياضة التامة حيث أنها تشبهُ الظاء ولا تمتاز عنها إلا بالاستطالة والمخرج ولهذا عَسُرَ التمييز بينهما وأن بينهما ما يسمى عند علماء البديع بالجناس اللفظي.
قال السيوطي في عقود الجمان:
قلتُ وإن تشابَها في اللفـظ :: كالضاد والظاء فذاك اللفظي
والضاد حرف تختص العرب بالنطق به سليقةً ، ولاختصاص العرب به سميت لغتهم لغةَ الضاد قال أبو الطيب المتنبي:
وبهم فخرُ كل من نَطَقَ الضاد وغوثُ الجاني وغيْـثُ الطريـد
ويقول البوصيري في همزيته:
فَارْضَهُ أَفْصَحَ امْرِئٍ نَطَقَ الضَادَ فَقَامَتْ تَغَارُ مِنْهُ الظَاءُ
ويقول الشيخ سيديّ باب في كتاب الضّاد:
والرواية التي وُعد بها قبلُ ماشافهنا به أخونا الأديب العالم الثقة المحقق التقي الشيخ محمد فال بن باب بن أحمد بيب العلوى حفظه الله وجزاه خيرا ، ثم طلبنا منه كتابتها ، فكتب ماصورته:
" الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، قرأت الفاتحة وبعض السور على المقرئ بالحرم المدني ، مفتتح عام سبع وثلاثمائة وألف ، وهو الشيخ أحمد بن محمد الصوفى من أهل القسطنطينية وجدته مجاورا بالمدينة ماهرا في فن القراءات والتجويد يتصل سنده بابن الجزري وكنت أتردد عليه مادمت في المدينة ولما سمعت أولا كيفية نطقه بالضاد ظننته يجعلها ظاء فقرأت عليه بها فقال لى " ظَ " لا و "ضَ " لا , يعنى ب "ضَ " لا النهى عن الذى يقرأ به أهل بلادنا ومن يقرأ كقراءتهم ،وأنا كأني لا أسمع منه إلا الظاء وهو لايرضى بها مني فقلت له ما الفرق ، فقال لي: والضّاد باستطالة ومخرج مَيّز من الظاء.
انتهى ماكتبه محمدفال".
وقال الشيخ سيديّ باب :
الضّاد حرفٌ عسيرٌ يُشْبِهُ الظّاءَ :: لاَ الدّال يُشْبهُ فى لفْظٍ ولا الطّـاءَ
لَحْنٌ فشا منذ أزمان قد اتّبعـــتْ :: أبنــــاؤهم فيــــه أجــدادا وآبـــــاءَ
من غير مُستند أصلا وغايتُهم :: إلْـــفُ العوائــــد فيه خبْطَ عــــشْواء
والحقُّ أبْلجُ لايخْفي على فطنٍ :: إن اسْتضاء بما في الكُتْب قد جاءَ
هذا هو الحق نصًّا لاَمَـردّ له :: مَنْ شَاءَ بالحقّ فَليومنْ ومَن شَــاءَ
وقال العلامة حبيب ولد الزايد التندغي:
أحييْتَ ياشيخُ ميْت العلم إحياءَ :: نعم واسمعت لو ناديت أحياءَ
لكنْ ظلامُ الهوى أعمى البصائر مِنْ :: مَنْ عارضوك بما لم يُجْدِ إجْداءَ
قد عارضوك بأن الضّاد لم يكُ عَيْــــــنَ الظاء واستحسنوا من ذاك ما ساء
كأنهم غَفَلوا عَمّا افتتحت به :: "الضّاد حرف عسير يشبه الظّاء"
وليس جعل ذوى الانكار ضادكُمُ :: ظاءً يُصيّره في نفسه ظاء
فالحسُّ يغلط في الأشياء يحسبها :: شيئا كما قد يظنّ الشيء أشياء
وحُبّك الشيء أحيانا يُصمّ كما :: عن أفصح الخلق خير العٌرب قد جاءَ
ماقلتَ إلا الذى في الكُتْب جاء ومن :: لم يتّصف بالحيا فليات ما شاء
يامن بفهم وإنصاف قد اتصفوا :: تأمّلوا صرّحتْ لاريب جــــدّاء
وقال العلامة محمد فال بن بابَ (اباه):
من أنكر الحق لا تنصب تعالجه :: فإن فيه عضالا ذلك الداءَ
ومن تأمل ألفى أصل علته :: كون الطباع لما لم تألفه أعداءَ
كامل الود

تابعونا على الشبكات الاجتماعية