نواكشوط-« القدس العربي» : واصل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على الإخوان) أمس دعوته الملحة لإجراء حوار سياسي بين نظام الرئيس الغزواني وجميع أطياف المشهد السياسي، للخروج برؤية وطنية تحل المشاكل الموريتانية العالقة منذ عقود والتي لم تجد، لحد الآن، الإطار المناسب لحلها.
.
فقد واصل الدكتور محمد محمود ولد سيدي، رئيس الحزب، لقاءاته برؤساء الأحزاب السياسية، حيث شرح لهم الأسباب الكامنة وراء إلحاح حزبه على إجراء حوار وطني شامل، ووزع عليهم نسخاً من الوثيقة الإصلاحية التي أعدها حزبه وانتقد فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، مؤكداً أن الحل يكمن في جلوس الجميع على مائدة الحوار.وتأتي هذه الخطوة التي يقوم بها حزب التجمع بشكل منفرد، فيما لم يغير الرئيس ولد الغزواني موقفه الرافض للحوار الذي أعلنه في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية مستهل ديسمبر / كانون الاول من عام 2019.
وكان الغزواني قد أكد إذ ذاك «أنه يحاول منذ وصوله إلى السلطة القيام بما يراه صواباً، مشيراً إلى أن «مصلحة البلد تتمثل في السعي نحو انفتاح أكثر على المعارضة».
وبخصوص مطالب المعارضة بضرورة تنظيم حوار شامل، قال ولد الغزواني في تصريحاته للصحيفة الفرنسية: «هذا مطلب كان موجوداً قبل وبعد انتخابي» قبل أن يضيف: «نحن نتحدث ونلتقي ويمكنهم تقديم مقترحات.. ولكننا لسنا في وضعية تحتاج حواراً شاملاً، لأن ذلك يوحي بأن المناخ السياسي متوتر، وهو مخالف للواقع».
وشرح رؤيته للانفتاح على المعارضة قائلاً: «إنه يعني أن تفهم المعارضة أن المناخ أكثر قابلية للتشاور، أعتقد أن هذا الهدف يحقق شيئاً ما، بعد ذلك يمكننا تحديد نوع آخر من الانفتاح، ولكن المعارضة يجب أن تبقى معارضة».
وكان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا قد نفى، في بيان نشره أمس، أن يكون قد تحدث عن تنظيم متوقع لحوار اجتماعي، داعياً الإعلام إلى تحري الدقة.
وأكد «أنه لم يتناول قضية كهذه، وأكد عدم صحة هذا الخبر» أن أي إعلان عن عزم الحزب الانخراط في حدث مشابه سوف يُشعر به كل الجهات المعنية، عبر القنوات المخولة، وفي الوقت المناسب».
كل هذا مضافاً لصمت المعارضة، لم يصرف حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) عن مواصلة اتصالاته مع الأطراف السياسية لتعميق التشاور حول رؤيته الإصلاحية من أجل ما يسميه الحزب «التحول التوافقي».
والتقى رئيس الحزب الدكتور محمد محمود ولد سيدي، في هذا الإطار، كلاً من سيدي محمد ولد الطالب أعمر رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، والسيد بيرام ولد الداه اعبيد رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية، والشيخ سيد أحمد ولد باب مين الوزير والسفير السابق والرئيس السابق للجنة المستقلة للانتخابات، والدكتور عبد السلام ولد حرمة رئيس حزب الصواب، ومسعود ولد بلخير رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، وأحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، وصمبا اتيام رئيس حزب القوى التقدمية للتغيير.
وأكد الحزب في مختصرات صحافية «أن رئيسه سلم للشخصيات السياسية التي قابلها الوثيقة مطبوعة في كتاب باللغتين العربية والفرنسية، مجدداً لهم رغبة الحزب واستعداده لاستقبال ملاحظات جميع الأطراف على الوثيقة بما يعزز فرص إسهام الجميع في الدفع باتجاه حوار وطني شامل يفضي لتحول توافقي».
وفي السياق نفسه، أكد السالك، نائب رئيس حزب التجمع «أن الحزب يعرض رؤيته، ومن الطبيعي ألا تكون متفقة مع رؤية الغير».وقال: «إن الحوار هو السبيل الوحيد لوجود ساحات مشتركة، وقواسم مشتركة».وأضاف: «إننا نريد حواراً بناء لم تحسم نتائجه مسبقاً، ولم يتفق عليها بطريقة سرية، حواراً جامعاً لكل الموريتانيين، يبحثون فيه قضاياهم دون تابوهات، ودون خفايا وبدون صفقات، حواراً ليس كالحوارات التي عهدناها والتي لم تحل مشاكل موريتانيا وإنما كانت صفقات سياسية».
وأكد سيدي محمود «أن حزب التجمع متمسك بحوار جدي يجعل الموريتانيين، بعد أن أسسوا نظامهم على مأموريتين للرئيس، يتـــقدمون خطوات أخرى في مشروعهم الديمقراطي بما يمكنهم من تحصين مشروعهم الديمقراطي وتحسين الوضعية السياسية بصيانة الحريات العامة وبتطبيق القوانين الإعلامية وتصحيح المنظومة الانتخابية».
ولم يغب المدونون الموريتانيون عن هذه التجاذبات، منقسمين إلى فريقين، أحدهما يرى ضرورة الحوار، والثاني لا يرى أن موريتانيا في أزمة تستدعي حواراً.
وتحت عنوان «الحوار الذي تحتاجه موريتانيا» كتب الباحث الموريتاني الدكتور ديدي ولد السالك: «الحوار الذي تحتاجه موريتانيا هو حوار من أجل التنمية، حوار متعدد المواضيع ومتدرج؛ يناقش جميع المواضيع التي تهم التنمية في موريتانيا، في شكل محاور منفصل بعضها عن بعض؛ زمانياً ومكانياً، على أن يبدأ هذا الحوار مجتمعياً شاملاً يشارك فيه الجميع دون إقصاء؛ وتتولى نخبة من ذوي الاختصاص وأهل الذكر الإشراف عليه؛ وتوجيهه لبلوغ أهدافه وإعداد خلاصاته».
وقال: «لن يكون هذا الحوار المنشود ممكناً إلا بشرطين، أولهما وعي النخبة بأهمية الحوار لرفع تحديات التنمية؛ وثانيهما أن موريتانيا تعيش في حلقة مفرغة من الأزمات، جعلتها نموذجاً عالمياً للـــبؤس والتخلف. ولن تستـــطيع تجاوز حـــلقة التـــخلف تلك إلا بمشاركة الجــميع».