الحلقة الثامنة من تفاصيل الملف حسب ترجمة الأستاذ سيدي ولد متالي
... فهم أقوى تأثيرا من المختار.. الذي تعد أسرته أضعف ناصرا و أقل عددا من أسرتهم.. و لا تُقاس القوة لدى هذا الشعب بالسبق في الميلاد و إنما تقاس بالنفوذ و كثرة المناصرين..
فأمراء أولاد بوشارب الغاضبون من سجن أبيهم أصروا على الانتقام له.. و من هنا كونوا خطة للانتقام من كل {من التقوه} من " البيض".. { و يطلق البيضان مصطلح البيض على كل سكان السنغال}.. و هكذا خرجوا من أجل تنفيذ مشروعهم الكارثي.. و شاءت الأقدار أن يلتقوا المختار و هو في نزهة خارج حيِه.. فتحدثوا معه .. و اقترحوا عليه أن يرافقهم..و لكنه رفض عندما عرف هدفهم.. { فأرغموه على ذلك} حتى خرج معهم مُكرها لا بطلا..
استطاع المختار أن يبعد مرافقيه من المراسي التي يبسط نفوذه عليها.. فسلكوا ضفة النهر.. و كان يحتسب أنهم لن يلقوا أحدا.. و لكنه لم يكن على صواب.. فجأة.. شاهدوا باخرة تلقي مرساها.. فتقدم إليها المختار.. من أجل إنقاذ صاحبها المحتمل.. فتبين أنه جاك ماليفوار.. و كان ماليفوار صديق والده..فحياه و طلب منه بعض التبغ و غطاء كان معه.. و في تلك الأثناء كان يغمزه حتى ينسحب عن المكان.. لم يفهمه ماليفوار.. عند ذلك سمع أبناء بوشارب، و هم خلفه، يحتجون على عدم إطلاقه النار.. فأوعز إلى أحدهم أن أطلق النار... و هو ما أجاب عليه أحدهم بقوله: " أطلق أنت النار أولا..." و هذا ما أكده الشاهد " باتيي فاري" أمام المحكمة.. و هي شهادة لها من الأهمية ما لا ينبغي أن يجعلها تفوت عليكم... عند ذلك كان المختار، الذي خشي على حياته، مُرغما على إطلاق النار..
و لكنه وجه طلقته بطريقة لا يصيب بها ماليفوار.. فأطلق أحد أبناء بوشارب النار بعد ذلك و قتل ماليفوار..
هذا، سادتي، عن سرد الوقائع.. و سآخذ الآن في تحليلها...
لقد أجمع كل الشهود على أن المختار عندما أطلق النار على ماليفوار أدار دابته نصف دورة.. و لكن ليس ممكنا، حسب هذا الزعم، أنه كان قادرا على التسديد أثناء هذه الحركة...لأن الفارس لا بد له أن يجعل دابته في حالة استراحة من أجل أن يُسدد..{ لأنه في هذه الحالة لا بد من استخدام اليدين معا} .. و هو ما لا يتأتى له إذا كان الجواد متحركا... فإذا كنتَ متوقفا فإنه من المستحيل أن تخطئ رجلا على بعد خطوتين منك.. و إذا كان الجواد متحركا.. فإن المختار لا يستطيع أن يسدد.. و في الحالتين فإن المتهم لم تكن لديه نية قتل ماليفوار الذي كان على مسافة قريبة منه.. و لأن الرمية الثانية التي كانت على أبعد بخطوات من رمية المختار هي التي أصابت ماليفوار... و هي طلقة ولد بوشارب...
و ردا على ما قاله الاتهام... كيف تتصورون أن تميمة كان ماليفوار يحملها تحطمت و تتمزق ثيابه الداخلية بمفعول طلقة نار؟ فأقول إن وسائل الإقناع ،هنا، هزيلة.. فالتميمة و الثياب الخارجية لم تكن ماثلة.. فليس من المنطقي أن نؤكد أن هذا التمزيق كان بمفعول طلقة نار.. أو لسببٍ آخر.. و تعرفون جيدا أن ذات النتائج قد تحدث لأسباب أخرى مختلفة...
فهؤلاء الشهود المصابون بالرهبة القوية و الذين صرحوا بذلك، و هم من شاهدوا ما حدث أمام أعينهم.. كيف لهم أن يشهدوا على تكسير التميمة و تمزيق الثياب؟ فشهادتهم لا يمكن أن تكون لصالح الادعاء... و هلا شهدوا على الأحداث الأخرى التي جرت من قبلً؟ فكيف أغضى الشهود عن ذلك أم كيف نسوه؟ قد أقبل هذا القول مؤقتا.. و لكن.. هل جاءت الطلقة من قُبُلٍ أو من جانبٍ؟ فليس من المعقول أن تبطل طلقة نار من هذه المسافة بمفعول تميمة معلقة على الصدر أو على البطن.. و تخترق اللحم، بالضرورة.. و إذا كانت من الجانب فإن الطلقة التي كسرت التميمة لم تُلامس الجسد.. و التميمة التي اتخذت اتجاه الرمية لم تصطدم بالجسم أو تحدث آفة فيه.. إذا.. فلا يمكن أن يوجد انتفاخ أو احتراق، كما يزعم الشهود... و هكذا، سادتي، فوسيلة الإقناع غير موجودة أو هي، على الأقل، مشكوك فيها...
مع العلم أنه إذا وجد شك فلا سماح بالخطإ.. لأن القانون ينص على أن الشك ينقلب يقينا لصالح المتهم... و ليس من حقنا أن نكون أقسى من القانون...
آمل أن أكون قد أقنعتكم أن المختار بريء من نية القتل التي يتهم بها.. و التي يقال، بدون جدوى، إنها نية ظاهرة... فهل نسيتم أن المختار لم يكن له شيء ينتقم له أو شخص ينتقم له.. و أنه لم يكن مدفوعا للقتل بأمل إحداث حربٍ لكي يستعيد ملكه.. لأنه لا هدف له في حرب مع أمراء أقوى منه.. و لهم مناصرون أكثر من مناصريه... و لا هدف له في عزل مَلك هو وريثه من أجل الاستيلاء على مُلْك فقده.. لأن أبناء بوشارب المنتصرين يريدون الاحتفاظ بالملك لأحدهم.. و هذا يبرهن على أن المختار إذا كان حضر مقتل ماليفوار فهو مدفوع بالقوة.. و لكنها قوة معنوية.. و هذه تفوق القوة المادية...
و أن هذه الأفعال خارجة عن نيته.. و لكنها جاءت بدافع هذه القوة المعنوية.. و أنه ما دامت النية مفقودة فليست هنالك جريمة.. و أتجاوز الآن إلى التهمة الثانية و هي مهاجمة سفينة مافال.. و الذي تلته جريمة قتل.. لقد فحصتُ بدون جدوى الإشهاد المكتوب و أصغيت بانتباه للشهود الذين صرحوا أمامكم.. و ما زلتُ أتساءل هل يمكن أن يتهم المختار في هذه القضية...
ما ذا؟ أيها السادة.. ليس هنالك أي شاهد أقر بمعرفة المختار.. و لا أي شاهد أقر أنه رآه... و إلا فإنني نسيتُ: ليس هنالك شاهد واحد.. و لا شاهد واحد فقط.. لأنه لم يحضر.. و بالتالي فلا تمكننا مواجهته مع المتهم.. قال إنه سمع لدى البيضان قولهم إن المختار كان حاضرا.. و بالتالي فإن أبناء بوشارب سيكونون وحدهم المسؤولين عن هذه الجرائم التي تعود إلى دافع انتقامهم... و مع ذلك يريدون أن يكون المختار مذنبا فيها... فلا بد من براهين.. و براهين واضحة أمام العدالة.. فإذا كانت الافتراضات تقوم مقام الحجج فأين يكون الضمان للفرد... ألا نرتجف كل لحظة لوجود قرينة بسيطة و غير صادقة تجرنا إلى قفص الاتهام... من أجل أن ندان إدانة واهية...
لا.. يا سادتي، فليس ذلك و لن يكون ذلك ما أراده المشرع.. بل أراد على العكس أن تكون هنالك براهين واضحة و دقيقة من أجل إدانة المتهم.. أراد المشرع أن يكون القانون حاميا للمتهم.. و ألا يكون اعتباطيا بالنسبة له.. و أن يجد فيه ملجأ حتى في أقسى حالاته...
إنكم لاحظتم، مثلي، أن المختار لم يكن و لن يكون من بين مرتكبي الجريمة التي يتهم بها.. و أنه إذا كان من بين مرتكبيها فليس هو، على الأقل، المدبر لها... لأنه، و كان ليَ الشرف أن أقولها لكم من قبلُ، كان مدفوعا بالعنف المعنوي الممارس عليه من قِبلِ أبناء بوشارب فلم يحضر إلا بدافع الدفاع عن النفس.. و من أجل التخلص من التهديدات التي توجه له.. و هكذا فإن أبناء بوشارب هم وحدهم المسؤولون عن مقتل مافال و عن مقتل ماليفوار.. و هم وحدهم من قاموا بالجرائم.. و هم وحدهم من يعاقبون عليها...
و الآن، أيها السادة، أصل إلى إشكالية السن..و أبدأُ من ذلك بفحص شهادات الشهود... فالشهود الذين قدمهم المتهم، كانون كلهم، باستثناء اثنين مجمعين أنهم سمعوا من امحمد ولد إعلي الكوري أو من وزيره آليزو أو لدى{ رواد} المراسي أن المختار ولد في ذات السنة التي كانت فيها معركة انتيمركاي... و هي التي دارت رحاها سنة 1816 .. فقد كان منهم الإجماع على هذه النقطة..
و من بين الثلاثة الآخرين أحدهم و هو بيير موسى الذي صرح أنه في شهر يونيو من سنة 1816 كان المختار لا يزال رضيع ثدي أمه.. و البيضانيان الآخران أحمد و محمدا فقد صرح أحدهما أن المختار وُلِد بشهر واحد قبل معركة انتيمركاي.. و أنه رآه عند ذلك.. و صرح الآخر أنه رآه في ذات الفترة و كان، بالكاد، قد وُلد.. فهذه الشهادات تبدو لي حاسمة.. أيها السادة، و تبدو الشهادات المعاكسة لها و التي تعتمد عليها النيابة واهية أمامها..
و بالفعل.. فمن بين الخمسة عشر شاهدا هنالك تسعة لم يحددوا أية حادثة.. و لم يشهدوا إلا على السن التي يظهر لهم أنها كانت للمتهم في مراحل مختلفة من رؤيتهم له.. مما يجعل عمره اليوم ما بين 18 و 20 سنة.. بينما أفاد شهود ستة آخرون أن سنه كانت تبدو لهم في ذات الفترة أصغر من ذلك..
و انطلاقا من هذه الشهادات، سادتي، أظن، جازما، أن المختار وُلد في السنة التي كانت فيها معركة انتيمركاي التي كانت سنة 1816 .. و إن كان ذلك في الشهر الأول من هذه السنة فإنه لم يبلغ حتى الآن سبع عشرة سنة.. أي أنه في الفترة التي وقعت فيها الجريمة { يوليو1831 } لم يكن عمره يتجاوز 16 سنة.. فإذا كان هنالك اشتباه حول قامته أو ملامحه أو قضايا أخرى عالقة.. استمعوا إلى ما يقوله بهذا الشأن بعض مشاهير الأطباء...
استشهادات
................................................................................................................................................
فمن خلال ذلك.. ألا تبدو جميع أنواع الشك مدحوضة .. و ألم يبرهن على أن عمر المختار قد حُدِدَ بدقة..
و قد تتبعتُ التهم في كل تفاصيلها و أرجو أن أكون قد رسمتُ أمامكم، بطريقة أكيدة، براءة المتهم.. مع أنه إذا كانت بقيت علي دلائل لم أسُقها فإنني أعول فيها، دون وجلٍ، على حكمتكم مقتنعا أنها ستجد سبيلها إلى ضمائركم الحية.. و أن تتيقنوا أنه إذا كان هنالك نقص فإنما هو من النسيان الذي لا نية لي فيه..
و أشير أنه إذا قبِلت المحكمة ذلك قد أعود في ردي لأعوض ما فات من النقص و أجيب على ذلك بكل سرور.....
يتواصل...ِC