دقة - حياد - موضوعية

تفاصيل محاكمة وإعدام الأمير المختارولد اعلي الكوري(ح2)

2020-11-19 05:01:33

...عندما سئل المتهم عن هويته أجاب بأنه يُدعى المختار بن محمد ولد إعلي الكوري.. و أنه من قبيلة بيضان ترارزه... حيث يُقيم عادة.. و أن سنه سبعة عشر عاما، كما يبدو, و أنه أمير و محارب...

.

بعد قراءة الأمر القانوني المتعلق بالإحالة و قضية الاتهام عرض السيد غيشونه دو كِرانبونه، مفتش المستعمرة و المكلف بمهمة المحامي العام للمملكة، الموضوع كما يلي:
سيداتي..
منذ سبعة عشر شهرا، تقريبا، و في انصرام شهر يونيو 1831 .. عم الحديث في سان لويس عن جريمة.. و شاعت في كل حدب و صوب على ضفاف نهر السنغال.. و هي القول إن البيضان قد اغتالوا جاك ماليفوار... زنجي حر و تاجر في هذه المدينة.. و هو من الرجال الأكثر احتراما بين سكان المستعمرة.. و لم يكتف{ البيضان} بتلك الجريمة وحدها.. و إنما قاموا أيضا بمهاجمة سفينة المسمى مافال، من سكان المستعمرات هو الآخر.. حيث قُتل و أُسر كلُ طاقمه و نُهبت سفينته .. و أغرقت.. و منذ ذلك الوقت نسَب كل من شارك في هذه الأحداث الجبانة فعلها للمختار بن محمد بن إعلي الكوري، الماثل أمامنا.. و إليكم، سادتي، التفاصيل التي أعطوها..
كانت سفينة المختار قادمة من محطة" كِايه".. هابطة من نهر السنغال.. محركة بشراع من طرف طاقمها.. الرياح العاتية ألقت المركبة على الضفة.. قبالة مدينة " ريشار تول".. عند ذلك أعطى ماليفوار أوامره بالتوقف و تم النزول أرضا لتجفيف بعض الزرع و بعض الجلود التي بللتها الأمواج... في تلك اللحظة قدِم فرسان أربعة و توجهوا إلى الطاقم الذي كان مشغولا بمهمته.. تقدم أولا المختار ولد محمد ولد إعلي الكوري و توجه إلى ماليفوار.. و حياه و صافحه يدا بيدٍ.. طلب المختار من ماليفوار بعض التبغ.. قدم له ماليفوار وعاء التبغ.. ثم طلب منه منحه غطاءه.. فرد عليه ماليفوار بهدوء:
"
لو كنتُ في سان لويس لأعطيتك إياه بكل سرور... أمَا و أنا هنا في الصحراء فأنا بحاجة ماسة إليه.. و أحتفظ به.."
خاطبت إحدى النسوة ماليفوار قائلة: " أعطه إذا هذا الغطاء.. ألا ترى أن البيضاني جاء من أجل اختلاق مشاجرة كي يقتلك..؟"
"
و لماذا يقتلني..؟ أجاب هذا.. فالمختار طفلٌ من السنغال... و لم أمسسه بأذى قطُ.."
فجأة .. رمى المختار أمام الرجل بوعاء التبغ الذي ما زال يمسكه بيديه.. انحنى ماليفوار لالتقاط الوعاء.. أدار البيضاني فرسه.. صوب بندقيته نحو خاصرة الأسوَد.. محدثا طلقة سيطرت عليها التميمة التي كان الضحية يُعلقها في جنبه...
أوعز المختار إلى أحد الفرسان بأن يطلق النار.. امتثل هذا الأخير الأوامر.. أصيب ماليفوار بطلقة من تحت الأذن.. فمات على الفور..
لم يُطلق الفارسان الآخران النار.... و انصرف الأربعة هابطين إلى النهر بعد هذه الجريمة النكراء...
و بينما كان رجال ماليفوار يوارون جسده الثرى.. في واجب خيِر.. اكتشفوا آثار ضربة رصاص في بطنه.. جزموا أنها من الطلقة التي سددها المختار نحوه.. ولكن الرصاص لم يخترق جسده.. مما أرجعوه إلى قوة تمائم ماليفوار..
بعد ذلك بقليل، كان المختار و هو على فرسه قد مر ب { لافاي}، مرسى الصحراء القديم، حيث ترسو سفينة المسمى " مافال".. كان هذا البيضاني مرفوقا بأعمر، نجل إعلي بوشارب.. في ذلك الأوان كان البيضان يقوضون خيامهم على جناح السرعة كي يرحلوا.. و يردون على من سألهم بأن الحرب بين قبائلهم.. بقي مافال هادئا قائلا: " هذا لا يعنينا في شيء.."..
لقد كان المسكين على خطإ.. في المساء عاد البيضان راجلين.. و بدون إثارة منه أو من رجال طاقمه المشغولين بتجفيف الزرع.. و دون أدنى مؤشر مشاجرة أخذ القادمون يطلقون النار على الرجل و طاقمه.. و قتلوا على الفور مادمبا غويان.. الرقيق، عامل التشريفات و دمبا غيرين.. حُر و عامل تشريفات..و أصابوا مافال إصابة بالغة.. الذي عبر النهر سباحة ليصل مرهقا إلى سان لويس.. وأخذوا الزنجيين من الطاقم الفرنسي محم و أدبان أسيرين.. و نهبوا المنشأة و أغرقوها في عمق المياه..
شوهد أعمر ولد إعلي بوشارب و هو يشارك في تلك العملية.. كما شوهد المختار نفسه على مسافة قريبة من ذلك.. و هو في وضعية القائد الذي يريد أن يتأكد من تنفيذ أوامره..
تلكم ـ سيداتي ـ هي الرواية التي تداولتها الأفواه..
أما عن دواعي الجريمة.. فلا يخامر أحدٌ هنا أدنى وهمٍ أنها تعود إلى امتناع ماليفوار من تسليم غطائه للمختار.. و لا إلى الرغبة في النهب فقط.. و لكن كانت لهؤلاء دوافع انتقامية و ذلك مما يلي:
قبل أيام من تلك الأحداث كان الضابط قائد المركز الفرنسي بدكِانه " السنغال".. قد شاهد جُثة فرس متحللة في مكان قريب من المركز.. و تنبعث منها رائحة كريهة.. فطلب من إعلي {ولد} بوشارب.. الأمير البيضاني الطاعن في السن، أن يزيل الجثة عن ذلك المكان.. ما دامت ملكية الفرس تعود إليه.. فامتنع من ذلك قائلا إن الذين يتضررون منها عليهم أن يسحبوها حتى ضفة النهر..
لم يرتح القائد لذلك الرد و اعتبره و قِحا.. فأوقف الشيخ المُسن.. و سجنه لمدة ساعات.. ثم أطلق سراحه بعد ذلك..
غضِب الأمير من تلك المعاملة حتى لقيه السيد "بلكَرانه".. عمدة سابق لمدينة سان لويس فحاول تهدئته: أفهمه أنه لم يكن على صوابٍ في امتناعه عن سحب جُثة فرسه عند أول طلبٍ.. هذا بالإضافة إلى أنه لا يليق به أن يغضب من أشياء تافهة أمام أوامر ضابط يظن أنه قام بواجبه بكل حزم و مسؤولية.. و كان من الأمر في النهاية أن اقتنع الشيخ بالرجوع إلى المركز.. و صافح الضابط.. و جعلا الحادثة في طي النسيان.. فهل كان ذلك النسيان حقيقيا عند إعلي ولد بوشارب..؟
عندما عاد إلى ذويه أخبرهم بأمر سجنه..
و هكذا اتفق أعمر، ابنه، و بعض أقاربه على الثأر له.. و وقع اختيارهم على المختار الذي كان أميرا شجاعا.. أقوى منهم..
فأين تكمن قوة المختار الذي يمثل أمامكم {الآن} و هو ضانٍ ضعيف..؟
المختار حفيد إعلي الكوري، ملك ترارزه.. و عند وفاة هذا الملك كان ابنه محمد غِرا صغيرا بحيث لا يمكن إسناد ممارسة السلطة إليه.. و هكذا عُهِد بالملك إلى أعمر، أكبر أمراء ترارزه، فاعتلى العرش.. و عندما بلغ محمد ولد إعلي الكوري أشُده طالب بملك والده الذي لم يعد أعمر يقبل التنازل عنه.. و هكذا دارت معارك داخلية، طويلة المدى و ضارية، كان محمد خلالها، و هو المحارب التمرس و الأمير المظلوم يحل بالسنغال المرة تلو الأخرى طالبا اللجوء.. كان ابنه المختار الماثل أمامنا اليوم يأتي برفقته فيحظيان بالاستقبال اللائق.. و ليس هذا فقط.. بل يُسلمان، باستمرار، إكرامياتهما.. و هذه، لا شك، عناية سخية و هامة.. ليس من الممكن رد جميلها بعمل عدواني و جبان كهذا..
و في النهاية، و عندما قاد محمد محاولة أخيرة ضد أعمر قُتِل محمد غدرا على يد عدو كان هو نفسه قد أنقذه من الموت في السابق..
فصار مناصروه السابقون يتظاهرون بالإخلاص لمعتلي العرش الذي يحظى بالملك و المال..
و نشأ المختار يتيما.. فأقام فترة في ضواحي النهر.. حتى تم تنصيبه ملكا على مجموعة صغيرة من قبيلته في بلاد {الوالو}.. و كان يأتي دائما لقضاء أيام في سان لويس.. فيستقبل من طرف أحد السكان أو من طرف آخر.. فتعوَد على الأخلاق الفرنسية ..فتزيا بالزي الفرنسي.. و لبس بذلتنا و تكلم لغتنا.. و طرِب في حفلاتنا.. فصار الجميع ينظر إليه باعتباره، حقيقة، من أطفال السنغال.. كما وصفه ماليفوار عند وقوع الجريمة. بيد أنه كان يشي منذ ذلك العهد بسوء غريزي.. و يقوم بتجاوزات عديدة..
و في النهاية اعترف هذا الشاب بسلطة الأمير الحالي في ترارزه محمد لحبيب نجل أعمر.. و التحق بقبيله.. حيث استُقبِل، بكل فرح، من قِبل أصدقاء والده الذي جعلوه منه قائد معارضة الأمير الحالي.. فمنحوه قوة حقيقية... يتواصل...

تابعونا على الشبكات الاجتماعية