كانت للمختار ولد داداه، وهو أول رئيس لموريتانيا، مطالب لم يتنازل عنها تروم الحصول على جزء من الأراضي التي كانت تحتلها إسبانيا، وقد شارك في عشرات الجلسات والمفاوضات الساخنة وجهاً لوجه مع الملك الحسن الثاني للاتفاق على الحدود المغربية الموريتانية بعد انسحاب إسبانيا. وقد تمت هذه المفاوضات واللقاءات في سرية تامة خلال سنة 1972، وانتظر ولد داداه مصادقة الحسن الثاني على الاتفاقية التي حضر توقيعها الرئيس الجزائري هواري بومدين، لكن الحسن الثاني كان يقدم مبررات لتأجيل المصادقة، بسبب الأوضاع الداخلية للمملكة التي عاشت انقلابين، والحرب الخفية مع جزائر بومدين التي لم تضع أوزارها.
.
«لا للمغرب! كنا موريتانيين، ونحن اليوم موريتانيون، وسنظل موريتانيين». هذا واحد من الشعارات الساخنة التي ظلت تحكم قادة الجارة الجنوبية حتى قبل استقلالها في مطلع الستينيات من القرن الماضي، ومن هؤلاء القادة الموريتانيين المختار ولد داداه الذي انتخب رئيساً للجمهورية الإسلامية الموريتانية في مايو 1961، وأعيد انتخابه في هذا المنصب ثلاث مرات قبل أن يطيح به انقلاب عسكري في يوليو 1978.
وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها الملك محمد الخامس وما أجراه من اتصالات علنية مع قادة الدول الأفريقية والعربية من خلال عشرات وفود الوزراء والسفراء، أو من خلال اتصالات الوساطة السرية التي لعب فيها زعماء سياسيون مغاربة وأجانب دوراً خاصاً، فقد ظل ولد داداه ورفاقه في القيادة الموريتانية يتشبثون بأحقية بلادهم في الأراضي التي كانت محتلة من طرف الاستعمار الإسباني والفرنسي على حد سواء.
وكانت أولى اللقاءات الرسمية بين الرئيس الموريتاني والجانب المغربي، قد تمت مع عبدالرحيم بوعبيد، وزير الدولة المكلف بالشؤون الاقتصادية، في يوليو 1957. وفي هذا الصدد قال ولد داداه: «وعلى الرغم من تعارض موقفينا تماماً، فقد كان اللقاء ودياً، وكان الهدف منه أن يُطلع كل منا الآخر مباشرة وبشكل صريح لا لبس فيه على موقف بلده من مطالبة المغرب بموريتانيا». فرفاق ولد داداه كانوا يحسون بذلك الدعم الهائل من طرف فرنسا: «لقد كان من الواجب، ونحن نعد العدة لاستقبال الاستقلال المنتظر، أن نقاوم دعاوى المغرب، وسندنا الأساس في ذلك فرنسا».
وبعد فترة طويلة من هذا التاريخ، التقى الحسن الثاني بولد داداه في شتنبر 1969 في الرباط بحضور الرئيس الجزائري هواري بومدين، وأخبره بالنقاش الطويل الذي دار بينه وبين والده محمد الخامس بشأن موريتانيا ودخولها الأمم المتحدة بشكل خاص، وعلق الملك قائلا: «إن ولي العهد ونائب رئيس الحكومة عليه أن يمتثل لأوامر أبيه الذي هو في الوقت ذاته رئيس حكومته وملكه. لقد قمت بالدفاع عن ذلك الملف طاعةً لأبي وملكي، ولم أتمكن يومها من إقناع كل المشاركين في الجمعية العامة للأمم المتحدة».
ومنذ سنة 1962، غيرت رياح السياسة اتجاهها في ما يخص الموقف المغربي خلال عهد الملك الحسن الثاني الذي بدأ يضاعف اتصالاته الدبلوماسية، حيث طلب بشكل خاص من الجنرال ديغول أن يكون وسيطاً بينه وبين ولد داداه، ولربما اختار الحسن الثاني وساطة ديغول، نظراً إلى العلاقة الخاصة التي تربط بين فرنسا وموريتانيا من جهة، وبين رئيس الجمهورية الفرنسية ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية أيضاً.
استقبل ديغول ولد داداه في مكتبه الخاص خلال الزيارة التي قام بها لباريس بين 23 و26 مايو 1962، بعد الزيارة التي قام بها الحسن الثاني لديغول يومي 10 و11 من الشهر نفسه والسنة ذاتها: «السيد الرئيس، يقول ديغول لولد داداه، لقد استقبلت منذ قليل، كما تعلمون، ملك المغرب الذي كان على علم بقدومكم إلى باريس في زيارة رسمية، فطلب مقابلتي ليحدثني، خصوصاً عن موريتانيا.. وكلفني بأن أُبلغكم برغبته الصادقة في إيجاد حل مناسب يمكنه من التخلص من هذا الإرث المزعج الذي تركه له الفقيد محمد الخامس، وهو يطلب منكم مساعدته في الوصول إلى هذا الحل المنشود، وهو حل يحمل بين ثناياه مصالح الشعبين، ويسمح بإقامة علاقات طبيعية بين بلده وبلدكم على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك باعتبار بلدكم بلداً مستقلا كامل السيادة، ولكن هذا الحل ينبغي أن يتخذ شكلا يصون للملك ماء وجهه، وخاصة أمام حزب الاستقلال وزعيمه علال الفاسي، فهذا الحزب وزعيمه لا يرغبان في سماع أي حديث عن الاعتراف بموريتانيا من لدن المغرب، وبما أن الملك على علم بموقفكم، فإنه يكتفي باعترافكم بأي شكل من أشكال السيادة الروحية، وإذا لم يتسن ذلك، فإنه يقبل صيغة أخرى مثل الاتحاد بين بلدين مستقلين وكاملي السيادة، كما هو حاصل بين غانا وغينيا ومالي».
وعلى الرغم من العلاقة التي تجمع بين الرجلين (ديغول وولد داداه)، وبين البلدين (فرنسا وموريتانيا)، فقد فشلت المساعي الحميدة للرئيس الفرنسي بعد تشبث الرئيس الموريتاني بموقفه.
بعد ديغول، طلب الملك الحسن الثاني وساطة الرئيس «سنغور»، وهذه المرة طلب الملك أن تكون المباحثات سرية تفضي إلى توقيع اتفاق ذي طابع فيدرالي أو كونفدرالي، وأن الملك سيعامل ولد داداه كرئيس دولة، غير أن هذا الأخير كان له رأي آخر: « ما يجب أن يُعتَرف به علناً هو استقلال وسيادة الدولة الموريتانية، وبعد ذلك فقط، نصبح مستعدين لنقاش اتفاقيات تحكم العلاقات في المجالات التي تقتضيها المصلحة المشتركة للمغرب وموريتانيا على غرار الاتفاقيات التي تربطنا بفرنسا أو دول الاتحاد الأفريقي الملغاشي».
لقد كان الرئيس الموريتاني الذي ظل متشبثاً بموقفه تجاه المغرب متأكداً من ذلك التقدم الدبلوماسي الذي تحققه موريتانيا، خاصة إثر قبول عضويتها في الأمم المتحدة بعد نحو عام واحد على استقلالها، مما شكل دعماً لموقفها المصر على إعلان المغرب اعترافه باستقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية. يقول ولد داداه في مذكراته إن المغرب ازدادت عزلته الدبلوماسية التي لم يخرج منها إلا في سنة 1969 بفضل انعقاد القمة الإسلامية الأولى في الرباط، وكانت تلك السنة سنة تطبيع العلاقات الموريتانية المغربية، حيث طلب «الطيب بنهيمة»، وزير الخارجية المغربي، من ولد داداه حضور القمة الإسلامية بالرباط بناءً على طلب من جلالة الملك الحسن الثاني، وكان جواب المختار ولد داداه: «إذا تلقيت من الملك دعوة مماثلة لتلك التي سيوجهها لقادة الدول المدعوة لحضور المؤتمر، فسأرد عليها بالإيجاب وبكل سرور». وهكذا كان بالفعل، حيث نزل الرئيس الموريتاني بمطار الرباط يوم 22 شتنبر 1969، وعن ذلك يقول: «رأيت الملك محاطاً بلجنة الاستقبال عند سلم الطائرة التي تقل وفدنا، وعلمُنا يرفرف إلى جانب العلم المغربي وسط حوالي أربعين من أعلام الدول الإسلامية، ثم استمعنا إلى نشيدينا الوطني.. فخامرني شعور بالارتياح والعزة قلّما شعرت به».
وفي بداية مؤتمر القمة الإسلامية عرض الرئيس بومدين على الرئيس الموريتاني أن ينظم في الفيلا التي يقيم فيها لقاءً بينه وبين الملك، فتم اللقاء بالفعل، وهذا جزء مما حدث فيه حسب المذكرات دائماً: «لقد شكر الملك الرئيس بومدين، وقال بنبرة مزاح ودي: إنني كنت خصما ًعنيداً، ثم بدأ الاعتراف بخطاياه، وقال: لم أكن في يوم من الأيام أوافق على مطالبة المغرب بموريتانيا، وأعربت دوماً –والكلام للملك– عن ذلك الموقف كلما سنحت لي الفرصة، وبالذات في جريدة (لوموند)، وأعربت لكم عن ذلك عن طريق أكثر من وسيط، غير أني لم أكن سوى ولي عهد ورئيس حكومة المغفور له والدي، الذي كان له رأي مغاير لرأيي.. وأتذكر أنني حمّلته رحمه الله عناءَ سهر ليلة كاملة سنة 1960 حين كلّفني بالذهاب إلى الأمم المتحدة للتعبير عن معارضة المغرب لدخول بلدكم حظيرة هذه الهيئة الدولية. كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي أناقش فيها أمراً من أبي قبل أن أنفذه، وقد وضع حداً للنقاش قائلا: (آمرك بالذهاب إلى نيويورك لمساندة موقف حكومتنا). وقد استجبت بالطبع لأمره دون أن أقتنع به، ولذا كنت، فيما أعتقد، خطيباً غير مقنع أمام الأمم المتحدة لأنني كنت أُدافع عن موقف لا أقتنع به، وهو أمر مخالف لطبيعتي. ثم غاب والدي فجأة وكنت ولي عهده في كل شيء، ولم يكن بوسعي بين عشية وضحاها أن أُغير موقفه وإلا لتم تأويل ذلك على أنه تنكر له ولسياسته». ثم اقترح الملك على مضيفه البقاء في الرباط يومين أو ثلاثة بعد انتهاء أشغال القمة الإسلامية، وخلال تلك الأيام تم وضع أهم قواعد التعامل المستقبلي الذي سيفضي إلى اتفاقات سرية.
وكان من أهم الاتفاقات التي جرت بين البلدين بعد القمة الإسلامية، اتفاقهما على تبادل البعثات الدبلوماسية وتبادل السفراء والتحضير للقاء الدار البيضاء في يونيو 1970، والذي انتهى بتوقيع معاهدة تضامن وتعاون وحسن جوار وببيان ختامي أكد تدارس زعيمي الدولتين الوضع في الصحراء الواقعة تحت الاحتلال الإسباني وقد قرّرا التعاون الوثيق للتعجيل بزوال الاستعمار وتحرير هذه الأراضي طبقاً لقرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن.
ويبقى الأهم في لقاء الدار البيضاء، هو أن ما كان يتمنى الملك الحصول عليه لم يتحقق، حيث أن الرئيس الموريتاني لم يتنازل عن مطالب بلاده في الصحراء الإسبانية: «وفي حديثه عن الصحراء المسماة إسبانية، قال الملك في مستهل حديثه إنه كان يعتقد أن مطالبتنا بهذه الأراضي لم تكن بالنسبة إلينا سوى وسيلة ضغط على المغرب لحمله على الاعتراف باستقلالنا.. والآن، وقد تحقق هذا الاعتراف بشروطكم، أعتقد أنكم لن تتخلوا عن مطالبكم فحسب، بل إنكم، كذلك، ستساعدوننا على طرد المستعمرين الإسبان من أرضنا..». غير أن جواب ولد داداه قد أثار حفيظة الملك: «ما فتئنا نؤكد منذ حصولنا على استقلالنا الداخلي، ثم استقلالنا الوطني، أن الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابنا الوطني يتعين علينا استرجاعه وتوحيده مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية، فالمستعمرون الفرنسيون والإسبان قد قسموا بلادنا إلى مستعمرتين، هي موريتانيا الفرنسية التي نالت استقلالها، وموريتانيا الإسبانية التي يتعين تحريرها وتوحيدها مع الشطر الثاني».
وبعد القمة الإسلامية وما جرى على هامشها وقمة الدار البيضاء وما تم خلالها من اتفاقيات، التقى ولد داداه والحسن الثاني وهواري بومدين في قمة نواذيبو في شتنبر 1970، وهي القمة التي لم تدم سوى يوم واحد، كان من أهم خلاصاتها تأكيد الجزائر أن لا مطالب لها في الصحراء المسماة إسبانية، إلا أنها لا يمكن إلا أن تهتم بتحريرها نظراً إلى أن الأمر يتعلق بأراض مجاورة، وأن كل ما تتمناه أن يتوصل البلدان الشقيقان إلى اتفاق من شأنه الإسراع بإزالة الاستعمار عن هذه الأرض. وقبيل اختتام المؤتمر التقى الملك بمضيفه الموريتاني على انفراد، واتفقا بطلب من الملك، على تبادل رسائل سرية بشأن تقسيم الصحراء الخاضعة للاحتلال الإسباني إلى جزء شمالي مغربي تسكنه قبائل مغربية، وآخر جنوبي موريتاني آهل بالقبائل الموريتانية، على أن يعقد فنيون لقاءً لتحديد الخط الفاصل بين المنطقتين بأقصى ما يمكن من الدقة: «لقد أعطيت موافقتي لاقتراح الملك، وإن أخبرته بأن سراً مثل هذا لا يمكن أن أخفيه عن أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الوطني للحزب، ومن جانبه، قال لي إنه لن يُطلع أحداً سوى الجنرال أوفقير (مؤتمن سري الذي لا أحتفظ بسر عنه)..»، وهذا ما حدث فعلا، حيث تبادل الطرفان الرسائل التي تولى مهمة طباعتها ضابط صف «أصم كالصخرة» وحضر لحظة تبادل الرسائل الرئيس الجزائري هواري بومدين: «وكنا نحن الثلاثة سعداء جداً»، غير أن النشوة التي كانت تتملك الرئيس الموريتاني لم تدم طويلا، حيث لم يوقع الملك اتفاقية الرباط حول الحدود المغربية الجزائرية التي كان ينتظرها بومدين في الآجال المحددة، وزاد في تأجيل هذا الأمر حدوث ثاني انقلاب فاشل بالمغرب.. «وابتداءً من نهاية 1972، بدأ بومدين يشك في صدق نية الملك التي لم يكن يثق بها أبداً ثقة كبيرة.. أما الملك الذي كنت أنبهه من حين لآخر مباشرة أو عن طريق المراسلة، فكان يجيبني بأن الوضع الداخلي في المملكة يستحوذ على اهتمامه، إلا أنه سيصدق على تلك الاتفاقيات في أقرب فرصة ممكنة»، غير أن هناك أموراً أخرى، ربما، هي التي جعلت الملك يؤجل مصادقته على الاتفاقية السرية لترسيم الحدود المغربية الجزائرية.
ولكي يؤكد الملك حسن نيته في الاقتراح الذي تقدم به للرئيس الموريتاني، أقدم على خطوة اعتبرتها موريتانيا سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتتمثل في اقتراح اعتراف البلدين بحقوقهما لدى الأمم المتحدة وبطلب هذه الأخيرة رفع القضية إلى محكمة لاهاي: «وقد أعطيت موافقتي على هذا الإجراء الذي يقدم الدليل على أنه لم يعد هناك لبس في الموقف المغربي»، يقول الرئيس الموريتاني.
في دجنبر سنة 1974 التقى الطرفان من جديد، وكانت المفاوضات صعبة، إذ تعذر حل القضايا إلا على مستوى الملك والرئيس مباشرة، حيث لم تفض، مرة أخرى، جلستا عمل إلى أي نتيجة، وقد كان الإشكال قائماً على مستوى «الداخلة»، حيث قال الحسن الثاني للرئيس الموريتاني: «إن الإشكال الوحيد بالنسبة لي هو مآل الداخلة، فالداخلة هي الميناء الطبيعي الوحيد في هذا الإقليم، ولا بديل عنه من المنظور الاستراتيجي، ولابد لنظام دفاع المملكة العام من عودة الداخلة إلى المغرب، ولهذا السبب أعتبر أن الداخلة أكثر أهمية من باقي الصحراء كلها، فهناك بالطبع كثير من الفوسفاط في إقليم الساقية الحمراء، غير أن هذا الفوسفاط يجب أن يكون بالإمكان الدفاع عنه وربما تصديره يوماً ما عن طريق الداخلة، لأن النظام الذي شيده الإسبان في العيون غير قابل للبقاء، فهي عبارة عن مرفأ، ولذا أقترح عليكم خط حدود عمودياً وليس أفقياً يمنحكم أرضاً أوسع، أي الجزء الأكبر من وادي الذهب».
وبعد استئناف المفاوضات، صرّح الملك الحسن الثاني للرئيس الموريتاني بارتياح وبشاشة، بقبوله حصول موريتانيا على الداخلة: «غير أن الحدود التي تقترحون غير مقبولة بالنسبة إلى المغرب الذي تنازل عن النقطة الرئيسة المتعلقة بالداخلة، فوادي الذهب أكبر مرتين من إقليم الساقية الحمراء»، يقول الملك الحسن الثاني. ناقش الطرفان مطولا، والخريطة بين أيديهما، قبل أن يتم الاتفاق بين شطري الصحراء المتطابقة مع خط العرض 24 المار مباشرة إلى الشمال من الداخلة، وهكذا «صعد» الحسن الثاني من خط العرض 22 إلى الخط 24، و«نزل» ولد داداه من خط العرض 26 إلى الخط 24. وفي الغد طلب الملك من محاوره إضافة تعديل طفيف بأن يترك للمغرب بلدة «بئر أنزران» وهضبة “ميجك” الواقعة أصلا في الجزء العائد لموريتانيا، وعلل طرحه برغبته في إعطاء مكافأة صغيرة للجيش المغربي الشديد التعلق بالداخلة، لاسيما وأن منطقة بئرر أنزران وميجك ذات أهمية استراتيجية مؤكدة بوصفها معبراً مهما بين جزأي الصحراء.. وهذا ما قبل به وولد داداه تفادياً للمزيد من شد الحبل، كما قال في مذكراته، حيث وقّعا في دجنبر 1974 اتفاق تقسيم الصحراء، وهو الاتفاق الذي ارتأى الطرفان أن يظل سرياً حتى نهاية مسار تصفية الاستعمار من تلك الأراضي.
وفي خريف عام 1975، التقى ولد داداه بالحسن الثاني ثلاث مرات لاستعراض القضية المعروضة أمام محكمة العدل الدولية ومفاوضات مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا، والتي أوشكت أكثر من مرة أن تفشل بفعل المماطلات الإسبانية، ومرض الجنرال فرانكو واحتضاره الطويل. وخلال أحد تلك اللقاءات، في أكتوبر 1975 بمراكش، أخبر الملك الرئيس بمشروعه السري حول تنظيم المسيرة الخضراء وشرح له الأسباب والنتائج السياسية والدبلوماسية المتوخاة منها، واقترح عليه تنظيم مسيرة خضراء موريتانية أو المشاركة الرمزية في المسيرة الخضراء المغربية.. فرفض الرئيس الموريتاني هذا العرض، وكانت اللقاءات الأخيرة بين الطرفين، خصوصاً بعد الحرب التي شنتها الجزائر على موريتانيا بواسطة جبهة البوليزاريو، حيث كان آخر لقاء بين القائدين في مايو 1978، أي شهرين قبل الإطاحة بالرئيس ولد داداه في يوليوز 1978 في انقلاب عسكري.
نقلا عن صفحة المدون الكبير المختار ولد ابراهيم ولد السيد