هذه الخريطة المرفقة زودني بها مشكورا "رجل من أقصى المدينة" وقد وضعها مهندس المياه الفرنسي بوارصون (Poirson) بدايات القرن التاسع عشر ثم صححها ونقحها ضابط البحرية آرنييه (Arnier) سنة 1849 ووضع عليها ملاحظات في غاية الأهمية عن أمير الترارزة محمد الحبيب. يقول آرنييه معرفا ببعض السياقات المرتبطة بهذه الخريطة:
.
"محمد الحبيب أمير الترارزة، ذو الذكاء الفائق، والذي انتزع الحكم من أسرة أهل اعليات (لعله يقصد أن الإمارة كانت عند اسرة أهل أعمر ولد اعلي وآلت إلى أهل المختار ولد الشرقي خصوصا مع أعمر ولد المختار وبعده ابنه: محمد الحبيب). تخضع جميع الشعوب القاطنة من لخشيم إلى دكانة لسلطة محمد الحبيب، وتدفع له الإتاوات. أما زعماء الزنوج فيستشيرون الأمير محمد الحبيب في كل ما يتعلق بالحرب أو السلم، ومع أن محمد الحبيب يظن به من القوة ما ليس عنده، فإنه يسعى دائما لعقد اتفاقيات سلام مع جميع جيرانه حتى يضمن بذلك عدم احتضان أولئك الجيران لبعض الأمراء الخارجين عن طاعته. ومكمن قوة محمد الحبيب يوجد في القبائل التي حررها من إتاوات أولئك الأمراء الخارجين عليه. ومن المحتمل أن تعم إمارة الترارزة حرب أهلية بعد وفاة الأمير محمد الحبيب نظرا لكثرة الطامحين لخلافته. إن أهم عناصر المبادلات التجارية مع الترارزة هي العلك والملح".
انتهى كلام آرنييه (Arnier).
تظهر على الخريطة بعض الأماكن الشهيرة مثل مرسى إدوالحاج (Escale des Darmacours)، الواقع غرب مدينة روصو وجنوب تكشكمبه، كما يظهر مرسى الترارزة وبينه وبين مرسى إدوالحاج قرية "ديك" (Dick)، كما يظهر گرك وامبگام وسكام وغيرها من معالم المنطقة.
خلد الأديب الفائق مولود ولد اجيه التاشدبيتي رحمه الله تعالى بعض هذه المعالم المذكورة في الخريطة أو القريبة منها في قطعته الشهيرة التي غنى بها المرحوم أحمدو ولد الميداح في "بيگي" وهي قوله:
ألا ليت شعري هل بنو همَّرٍ صَمْبَا ۞ وحيُّهم مجاورون تَكَشْكَمْبَا
وهل بربا النَّبَّيرَه ظلت نساؤهم ۞ سراعا إلى الصَطَّارَه حاملة تمبا
وهل صَمْبَنِ الفَلاَّنِي ظلوا بجمعهم ۞ على أثر اللَّمْبَايَ يَرْمِسْنَ ما لَمْبَا
هم القوم عمري يوم ظلت نساؤهم ۞ بوادي الغضا يَسْتَنُّ بينهم دَمْـبَا
فلا مت حتى ظِلْتُ بين نسائهم ۞ أطالب لهوا صَمْبَ في رجله صَمْبَا
ولست بزير المحصنات من النسا ۞ ولكنَّ ما في الرُّبِّ تعرفه كمبا
ومعلوم أن تكشكمبة: ريعة (زيرة) ويحاذيها من الجنوب سهل ممتد يقع غرب مدينة روصو ويمتد جنوبا حتى يلامس النهر.. وسهل تكشكمبة الآن ميدان للرماية مشهور عند أهل روصو، وفي امتداد هذا السهل جنوبا يقع مرسى إدوالحاج المذكور في الخريطة، وكان هذا المرسى في القرن الثامن عشر والتاسع عشر مكانا للتبادل التجاري ويعرف بمرسى إدوالحاج (مرصة إدوالحاج) حيث يباع الصمغ العربي للفرنسيين تحت إشراف شيوخ من قبيلة إدوالحاج. والنبيرة المذكورة في الأبيات سهل واسع يبدأ من الكيلومتر السابع على طريق روصو نواكشوط وبه الآن مصنع لتقشير الأزر...
وتمبَه: بيع اللبن المضير خصوصا ولا يكون إلا مقايضة بالزرع وغيره... وهو مشهور في المنطقة أنه اختصاص إيفلان.. ويقولون: "تمبة والصلاة ما يخلطو" وهو قريب من قولهم: أعشگ وأعتگ ما يخلطو. والصطارة: الجزء الشمالي من روصو وفي القديم كانت رصو تسمى: گويربات الصطارة وتسمى ايضا گويربات ول اميسَه إلى أن صار اسمها روصو. واللمباي فاعل لمبى وهو شق الأرض لتوضع فيها البذرة... ولا أعرف اصل هذا اللفظ. ووادي الغضا: واد آمور فالغضا شبيه بآمور لذلك عربه الشعراء به. و"صمبه في رجله صمبه" تفصيح للعبارة "صمبه فاكراع صمبه" وهو تعبير معروف يقال للأمر لا تعرف له نهاية، وكذلك قولهم: "ما في الرب تعرفه كمبة" مثل مشهور عند أهل المنطقة يضرب لمن يعرف سر الشيء وكنهه وهو ينفي ذلك عن نفسه.
من صفحة الباحث سيدي احمد ولد الامير