دقة - حياد - موضوعية

موريتانيا: ساسة ومفكرون وأحزاب يتصدون لأقوال ماكرون حول الإسلام السياسي

2020-10-05 03:37:12

نواكشوط-«القدس العربي»: واصل ساسة موريتانيا ومفكروها ومدونوها، الأحد، ردودهم التي لم تنقطع منذ الجمعة، على تصريحات الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، التي أكد فيها الجمعة الماضي، “أن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، وعلى فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار للجمهورية الفرنسية”.

.


وكان إسلاميو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (التيار الإسلامي) في مقدمة من تصدوا لتصريحات الرئيس الفرنسي، حيث أكدوا في بيان أمس “أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعتز بهويته الإسلامية الملهمة لقيم الحرية والعدل والتسامح يدين بقوة هذه التصريحات المستفزة، ويطالب الرئيس الفرنسي بالتراجع عنها، والاعتذار لمواطنيه الفرنسيين أولاً، ولمليار وثلاثمائة مليون مسلم عبر العالم تم التعريض بمعتقداتهم الدينية علناً ضمن حسابات انتخابية ارتهنت، بكل أسف، لخطابات اليمين المتطرف”.
وأكد البيان “حاجة الجميع وفرنسا والعالم الإسلامي منه لنشر خطابات التسامح، والاعتراف بالتعددية، واحترام التنوع، والكف عن المزايدات المغذية للقطيعة، وخطابات العنف والإسلاموفوبيا”.
أما المفكر والأستاذ الجامعي أبو العباس أبرهام، فقد علق على التصريحات قائلاً: “أثار ماكرون ضجّة بقولِه إنّ الإسلام يعيش اليوم أزمة في كلّ العالم، للأمانة لم تكن هذه هي رسالة كلامِه، كان ماكرون، الذي لم يقل أحدٌ إنّه لبِقٌ بالخصوص مع الإسلام، يتكلّم عن قانون أطلقَه للتصدِّي لما سمّاه بـ”الانفصاليّة الإسلاموية”، وهي مرحلة أخرى من صراع الوطنيّة الفرنسيّة الراديكاليّة مع الدِّين، وبالأخصِّ مع النشاط الإسلامي في فرنسا”.
وقال: “أراد ماكرون في خطابِه القيام بحيلة فكريّة للربط بين الخصوصيّة الإسلاميّة في فرنسا، والأصوليات المتطرّفة في العالم الإسلامي التي عدّد منها الوهابيّة والسلفيّة والإخوان المسلمين، وليس الحديث عن أزمة الإسلام، فهو يُطرحُ من كلّ الطيف السياسي: الاستشراق طرحه من خلال كتاب برنارد لويس “أزمة الإسلام” وهو الخطاب نفسه الذي يطرحُه ماكرون ومن قبلِه بوش، وهو أنّ الإسلام يُعاني من كرهٍ للآخرين ومن ميلٍ للعُنف، وفي المقابِل طرحت الإصلاحيات القُطبيّة فكرة أنّ المسلمين انسلخوا من الإسلام وأنّ الإسلام يعيش أزمة متمثِّلة في “جاهليّة القرن العِشرين”.
وأضاف أبو العباس: “ليس الإسلام في أزمة في كلّ مكانٍ كما زعم ماكرون، هنالك مئات الحيوات الإسلاميّة المُعاصِرة المتصالِحة مع ذاتِها؛ فالإسلام ليس إسلام الأخبار العاجِلة وإنّما هو إسلام الحياة اليوميّة، إلاّ أنّ هنالك أزماتٍ في الإسلام المعاصِر. أزمة الإسلام برأيي ليست هي العُنف أو التناقض مع الحداثة التي يُقال بأنّها غربيّة؛ صحيح أنّ التطرّف الأصولي صار يطرَح مشكلة في الاعتناق الإسلامي المُعاصِر، بل ويطرح حتّى مشكلة أمنية، إلى حدّ الآن أكبر المتضرّرين من العنف الدِّيني هم مسلمون”.
“إلاّ أن العقل والممارسّة المُسلِمة، يقول أبو العباس، تعيش اليوم في أزمة؛ فالناظِر في التاريخ الفكري والاجتماعي للإسلام لا يُغفِل رؤية أزمة، فالإسلام كان واثِقاً من نفسِه وكان يُفكِّر بجديّة في مسألة القانون والأخلاق، والإسلام اليوم اختطف؛ وقد استُبدِل فيه الفِقه والأصول بالوعظ؛ والورَع بالرياء؛ والمعنى بالمبنى، هنالك اليوم قطيعة بين التعليل الإسلامي والتقاليد النظريّة والفكرية التي كان يستمدّ منها، والإسلام حُوِّل في إطار تجريد العولمة للثقافة إلى مقولات لا مساسيّة، المعرِفة الدِّينية التي كانت في القرون القديمة تُشجِّع على اكتشاف العالم صارت اليوم تهرُب من العالم منتجة سيلاً من الخرافات في كلّ مكان”.
وقال: “الإسلام دين يمتلك تاريخاً غنياً؛ وسيتحرّر من الوجل والرهاب الذي أدخِل فيه، وكما عرف أوائل المسلمين فإنّ المعرِفة والعَقل سيكونان طريق الناس في التحرّر”.
وفي عجاج هذه الردود، علق القاضي محمد مختار فقيه، قائلاً: “لو أن الرئيس الفرنسي قال لنا إن المسلمين في أزمة لقلنا له نعم صدقت! بلى، وأجل، نحن في أزمة لكنكم أنتم الأزمة، أنتم من خلق الأزمة، وأنتم من يريد استمرار الأزمة”.
وقال: “نحن في أزمة منذ أن دنست جيوشكم أرضنا، نحن في أزمة منذ أن جعلتم من برنا وبحرنا حقولاً لتجارب أسلحتكم المحظورة، نحن في أزمة منذ أن أحللتم لغاتكم محل لغتنا، نحن في أزمة منذ فرضتم علينا نمط حكمكم وعيشكم، نحن في أزمة منذ زرعتم طابوركم الخامس في مجتمعنا ومفاصل دولنا، نحن في أزمة منذ أن جمعتم شذاذ الآفاق وزرعتموهم في قلب الأمة الإسلامية: فلسطين!؛ نحن في أزمة، وهذا مربط الفرس، منذ أن خلقتم، ومولتم، ودربتم، ووجهتم، تنظيمات إرهابية أطلقتم عليها أسماء متغيرة بتغير أجنداتكم، وتكتيكاتكم، وخططكم، لإدامة استحواذكم على ثرواتنا، ثم حشدتمونا لمحاربتها نيابة عنكم ليقتل بعضنا بعضاً”.
وزاد: “نحن في أزمة لأنكم وضعتم خطوطاً حمراء للديمقراطية وللتقدم العلمي: حلال عليكم أن تتمتعوا بثمارهما، حرام على المسلمين أن ينالوا إلا من قشورهما وأشكالهما”.
وخاطب وزير الإعلام السابق سيدي محمد محم، الرئيس الفرنسي قائلاً: “كنت أتوقع ممن هو في مكانتكم رئيساً لأحدث نسخة من الجمهورية الفرنسية الخامسة أن يميز ضرورةً بين الإسلام كدين ورسالة قيمٍ ومثُل وتعاليمَ لا تموت تحث على العدل والإحسان وبناء الإنسان وإعمار الأرض ونشر السلام فيها، وبين تجربة المسلمين وتطبيقاتهم في الماضي والحاضر، تماماً كما ندرك نحن في هذا المنكب من الأرض مدى البون الشاسع والفرق الهائل بين مبادئ وقيم الثورة الفرنسية والسياسات الاستعمارية لفرنسا وما أحدثت من تدمير في الجزائر والمغرب وسوريا وما خلفت من ضحايا وخسائر ببلادنا ومناطق عديدة من العالم”.
وقال: “تماماً كما ندرك الفرق بين العلمانية الفرنسية التي تتعالى على صراع الأديان وتقف على مسافة واحدة منها، وبين النسخة الفرنسية الحديثة التي تمنع مسلمة فرنسية من حقها في ارتداء حجابها وتعطي نفس الحق لراهبات الدير، فرنسا التي تسُن القوانين ضد معاداة السامية، وهو عمل جيد ورائد، لكنها تحرُم مواطنيها المسلمين من تلك الحماية حين تكون معتقداتهم ومقدساتهم مستهدفة وبأعمال عدائية لا غبار عليها”.
وقال: “إن استنزاف خيرات الشعوب المستضعفة والاستيلاء على مواردها ومقدراتها بقوة الدولة وشركاتها القابضة والذي ما زال مستمراً لحد الساعة في إفريقيا والشرق الأوسط، هو عمل فرنسي نفذته وشاركت في تنفيذه فرنسا وما زالت تنفذه وتشارك في تنفيذه إلى جانب قوى دولية حليفة لها، لذلك لا نجد غضاضة في الاعتراف بأن لدينا كمسلمين أزمات متعددة، لكن أغلبها -حتى نكون منصفين- من صنعكم وبرعايتكم ولمصلحتكم، ورغم ذلك لا نزال ندرك الفرق بين المَثل وتطبيقاته وتجلياته القاصرة على الأرض؛ أعتقد يا فخامة الرئيس أن لديكم بالفعل أزماتكم”.
وجاء تصريح ماكرون الذي ردت عليه جميع الهيئات الإسلامية الدولية، متزامناً مع استعداده لطرح مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري” بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”.

تابعونا على الشبكات الاجتماعية