دقة - حياد - موضوعية

وداعا وكالة الأخبار/سيد أحمد ولد باب

2015-11-11 02:10:40

تمر اليوم الذكرى الثانية عشر لاستلامي ملف التحرير بوكالة أنباء الأخبار المستقلة، في ظرف اتسم ساعتها بانعدام الأفق السياسي، وارتفاع وتيرة القمع، وتراجع الحريات في البلد، وانحسار المد الديمقراطي، وانتكاسة القوي السياسية بعد الخروج من انتخابات السابع من نوفمبر 2003.

.

12 سنة كانت بحق فرصة للتكوين والتدريب واكتساب الخبرة ، وخوض غمار مهنة أخذت مكانها في القلب تدريجيا كلما احلولكت الظروف، وارتسمت بين أعيننا معالم الخطر، وكان نداء الواجب يحدونا دوما للتقدم من أجل صرح أردناه جامعا لكل الرؤي، ومعبرا بصدق عن آمال وآلام الموريتانيين.
وقد سعيت جاهدا رغم ضعف التجربة وصعوبة الواقع، وقساوة الظروف، من أجل المساهمة قدر الممكن في الرفع من مستوي الإعلام المحلي، وأخذ موقع في الساحة لوكالة آمنت برسالتها النبيلة، مع مجموعة من خيرة الرفاق :

هم الأهل لامستودع السر ذائع .. ولا الجاني بما جر يخذل

فكانت التحديات صعبة، والرهانات كبيرة، والعوائق جمة، والأخطاء – دون شكموجودة ، لكن حسبنا أننا اجتهدنا من أجل البلد واستقراره وسعادة شعبه واحترام كرامة بنيه، وضحينا من أجل الإعلام واستقلالية الرأي فيه، والمواطن مهما كان لونه وانتمائه، مؤمنين بحقه في التعبير عن نفسه، ووقفنا إلي جانب كل المظلومين في البلد بغض النظر عن اللون والجهة والموقف السياسي، فكنا دون فخر صوت من لاصوت له، ومنبر المحتاج إلينا نمده بأسباب الثبات والتعبير عن الموقف.

لقد ساهمت إلي جانب رفاقي في تغطية انقلابين وأربع محاولات فاشلة، وتابعنا كل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بشكل دقيق، وكنا شهودا علي الجدل في ثلاث برلمانات متفاوتة التأثير والفاعلية، وخضنا إلي جانب العديد من الإعلاميين الشرفاء معركة رفع السقف الإعلامي، رغم التوقيف والمطاردة وسلاح التهديد، وكنا إلي جانب كل الحقوقيين في وجه أنظمة اتسمت كافة بالأحادية في الرأي والتعبير عن أسوء تجليات التحول الديمقراطي بالمنقطة.

فكانت تغطية محاكمة "واد الناقة" بشهورها الثقيلة و"محاكمة "ولد هيداله ورفاقه" بلياليها المرهقة، وتابعنا ملف السلفيين باستمرار، والمتهمين بالانقلاب علي العسكر 2006 بدقة ووضوح، و"حركة إيرا" الساعية من أجل عالم بلا عبودية، وفتحنا المجال لحركة "لاتلمس جنسيتي" ، وكان لدينا متسع لفتح الموقع أمام ذاكرة الزنوج الدامية بكل مسؤولية والتزام، واستقبلنا العائدين بعد أن زرناهم في أماكن التهجير والإيواء، وأعطينا للثقافة فرصة، ومع المواطن البسيط كانت لنا وقفات شهرية في قري الحوضين ولعصابه ونواذيبو وأترارزه ولبراكنه وغيدي ماغه، وانفتحنا علي الجوار الإقليمي دون ذوبان أو انحياز فاضح، مع اهتمامنا بالشعوب المجاورة المتشوق منها للحرية، والمكافح من أجل الاستقلال والسيادة، ورفعنا شعار آمنا به وناضلنا من أجله وهو "الخبر حق لكل فرد ونحن أحرار في التعبير عن الرأي الذي نقتنع به"، وواجهنا صدود الشارع في بعض الأوقات وتحامل الساسة من مختلف الجبهات بقدر كبير من الثقة فى النفس، والاعتصام بالمهنية، والعمل من أجل ارضاء الله أولا، وخدمة الشعب الذي ننتمي إليه ثانيا دون محاسبة متنكر للجميل أو متحامل لهدف هو أعلم به.

واليوم وأنا أتابع بارتياح حجم التحول الهائل في تأثير الوكالة داخل الساحة الموريتانية، وتصدرها المشهد الإعلامي دون كثير عناء، رأيت أنه من الواجب الأخلاقي والإنساني أن أتنحي عن المشهد جانبا، تاركا الفرصة لمن هم أهل للتصدر والريادة، ففي السنوات الفارطة مندوحة، وفي الخلف من الأخوة والأصدقاء مايسد الفراغ – ان وجد- ويعطي الوكالة نفسا جديدة هي بحاجة إليه ككل المشاريع المتسمة بالاستمرارية والأفق البعيد.

وهي فرصة لأشكر كل الذين رافقوني لحظة التأسيس، وخدمنا معنا بكل أريحية لحظة الانطلاقة، وعاملوني كأخ قبل أن أكون رئيس تحرير طيلة المشوار الثقيل، رغم صعوبة الظروف المحيطة، وحجم التحديات التي واجهتنا معا، تحية للأشقاء الذين غادروا بصمت خلال السنوات الماضية كما عملوا بصمت رغم حسن الأداء وعظم التضحية، ، ولمن هو بعمله اليوم خير معبر عن ذاته وعن حجم الطموح الذي كان يراودنا جميعا.

أسفي أن أغادر الأخبار ولما ينعم الصحفي بالاحترام الذي يليق به في عالم متحول، ولايزال الشعب الذي ضحيت من أجله يرنو إلي ديمقراطية سلبها الجيش أعز ما يميزها، مستفيدا من ضعف ذاكرة البعض، ومستضعفيه لما يتحرروا من آثار العبودية البشعة، والمجتمع الذي أنتمي إليه لم يكفر بالكامل عن خطاياه تجاه أخوة الدين والوطن، ولم تطو ملفات التهجير والنزوح بالشكل الذي يرضي ضحاياها، ولايزال في الجوار ضحايا شقيق يعشق التوسع علي حساب الغير، وعدو غربي متحفز للهيمنة والسيطرة علي مقاليد الأمور في القارة المتخمة بالفساد والانقلابات والأمراض.

وكل سنة ووكالة الأخبار والعاملين فيها بألف خير
سيد أحمد ولد باب 
10-11-2015

تابعونا على الشبكات الاجتماعية